خرجا من السفينة على بحر إيلة، { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً } سداسياً، { فَقَتَلَهُ } الخضر بحجر أسود، واسم الغلام: حسين بن كازرى، واسم أمه: سهوى، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره، فـ { قَالَ } للخضر: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً } ، يعني لا ذنب لها، ولم يجب عليها القتل، { بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } [آية: 74]، يقول أتيت أمراً فظيعاً، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك. { قَالَ } الخضر لموسى، عليهما السلام، { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [آية: 75]، وإنما قال: { { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ }؛ لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله: { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، على ما ترى من العجائب. { قَالَ } موسى: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا } ، يعني بعد قتل النفس، { فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } [آية: 76]، يقول: لقد أبلغت في العذر إليَّ. { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } الطعام، تسمى القرية: باجروان، ويقال: أنطاكية. قال مقاتل: قال قتادة: هي القرية، { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } ، يعني أن يطعموهما، { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } ، كانوا بلوا الطين، { فَأَقَامَهُ } الخضر جديداً فسواه، { قَالَ } موسى: عمدت إلى قوم لا يطعمونا ولم يضيفونا، فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر، يعني بغير طعام ولا شيء، { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } [آية: 77]، أي لو شئت أعطيت عليه شيئاً. { قَالَ } الخضر: { هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ } ، يعني بعاقبة، { مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } [آية: 78]، كقوله سبحانه:{ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } [الأعراف: 53]، يعني عاقبته. ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام، { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } ، يعني أن أخرقها، { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } ، يعني أمامهم، كقوله سبحانه:{ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } [الإنسان: 27]، واسم الملك: مبدلة بن جلندي الأزدي، { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } صالحة صحيحة سوية، { غَصْباً } [آية: 79]، كقوله سبحانه:{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } [الأعراف: 190] يعني سوياً، يعني غصباً من أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلماً، وهم لا يضرهم خرقها. { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } ، وكان الغلام كافراً، يقطع الطريق، ويحدث الحديث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه، ويحلفان بالله ما فعله، وهم يحسبون أنه بريء من الشر، قال الخضر: { فَخَشِينَآ } ، يعني فعلمنا، كقوله سبحانه:{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } [النساء: 128]، يعني علمت، وكقوله تعالى:{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } [النساء: 35]، يعني علمتم، { أَن يُرْهِقَهُمَا } ، يعني يغشيهما، { طُغْيَاناً } ، يعني ظلماً، { وَكُفْراً } [آية: 80]، وفي قراءة أبي بن كعب: فخاف ربك، يعني فعلم ربك. { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا } ، يعني لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمي الغلام غلاماً، ما لم تسو لحيته، فأردنا أن يبدلهما ربهما، يعني يبدل والديه، { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } ، يعني عملاً، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } [آية: 81]، يعني وأحسن منه براً بوالده، وكان في شرف وعده، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: