الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ } ، يوشع بن نون، وهو ابن أخت موسى، من سبط يوسف بن يعقوب، عليهم السلام: { لاۤ أَبْرَحُ } ، يعني لا أزال أطلب الخضر، وهو من ولد عاميل، من بني إسرائيل، { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } ، يقال لأحدهما: الرش، وللآخر: الكر، فيجتمعان فيصيران نهراً واحداً، ثم يقع في البحر من وراء أذربيجان، { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } [آية: 60]، يعني دهراً، ويقال: الحقب ثمانون سنة.

{ فَلَمَّا بَلَغَا } ، يعني موسى ويوشع بن نون، { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } بين البحرين، { نَسِيَا حُوتَهُمَا } ، وذلك أن موسى، عليه السلام، لما علم ما في التوراة، وفيها تفصيل كل شىء، قال له رجل من بني إسرائيل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، ما بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني، فأوحى الله عز وجل إليه: أن رجلاً من عبادي يسكن جزائر البحر، يقال له: الخضر، هو أعلم منك، قال: فيكف لي به؟ قال جبريل، عليه السلام: احمل معك سمكة مالحة، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك.

فسار موسى ويوشع بن نون، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل البحر، فأوى إلى الصخرة قليلاً والصخرة بأرض تسمى: مروان، على ساحل بحر أيلة، وعندها عين تسمى: عين الحياة، فباتا عندنا تلك الليلة، وقرب موسى المكتل من العين وفيها السمكة، فأصابها الماء فعاشت، ونام موسى، فوقعت السمكة في البحر، فجعل لا يمس صفحتها شىء من الماء إلا انفلق عنه، فقام الماء من كل جانب، وصار أثر الحوت في الماء كهيئة السرب في الأرض، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه، فذلك قوله سبحانه: { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } [آية: 16]، يعني الحوت اتخذ سبيله، يعني طريقه في البحر سرباً، يقول: كهيئة فم القربة.

فلما أصبحا ومشيا، نسي يوشع بن نون أن يخبر موسى، عليه السلام، بالحوت حتى أصبحا وجاعا، { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ } موسى { لِفَتَاهُ } ، ليوشع: { آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } [آية: 62]، يعني مشقة في أبداننا، مثل قوله سبحانه:أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ص: 41]، يعني مشقة.

{ قَالَ } يوشع لموسى: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } ، يعني انتهينا إلى الصخرة، وهي في الماء، { فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } ، أن أذكر لك أمره، { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } ، يعني موسى، عليه السلام، طريقه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } [آية: 63]، فعجب موسى من أمر الحوت.

فلما أخبر يوشع موسى، عليه السلام، بأمر الحوت، { قَالَ } موسى: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } [آية: 64]، يقول: فرجعا يقصان آثارهما، كقوله سبحانه في القصص:قُصِّيهِ } [القصص: 11]، يعني اتبعي أثره، فأخذا، يعني موسى ويوشع، في البحر في أثر الحوت، حتى لقيا الخضر، عليه السلام، في جزيرة في البحر.

السابقالتالي
2