الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } * { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } * { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } ، يعني صدقوا بتوحيد ربهم، { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [آية: 13]، حين فارقوا قومهم.

{ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } بالإيمان، { إِذْ قَامُواْ } ، على أرجلهم قياماً، { فَقَالُواْ رَبُّنَا } هو { رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ } ، يعني لن نعبد { مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } ، يعني رباً غير الله عز وجل، كفعل قومنا، ولئن فعلنا، { لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً } على الله { شَطَطاً } [آية: 14]، يعني جوراً، نظيرها في ص:وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ } [ص: 22]، وفي سورة الجن:وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } [الجن: 4].

ثم قال سبحانه: { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } ، يعبدونها، { لَّوْلاَ } ، يعني هلا، { يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } ، يعني على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة، { فَمَنْ } ، يعني فلا أحد، { أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [آية: 15]، بأن معه آلهة.

ثم قال الفتية بعضهم لبعض، { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ } ، من دون الله من الآلهة، ثم استثنوا، فقالوا: { إَلاَّ ٱللَّهَ } ، فلا تعتزلوا معرفته، لأنهم عرفوا أن الله تعالى ربهم، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها، ثم قال بعضهم لبعض، { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } ، يعني انتهوا إلى الكهف، كقوله سبحانه:إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } [الكهف: 63]، { يَنْشُرْ لَكُمْ } ، يعني يبسط لكم، { رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } رزقاً، { وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } [آية: 16]، يعني ما يرفق بكم، فهيأ الله لكم الرقود في الغار، فكان هذا من قول الفتية.

يقول الله تبارك وتعالى: { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } ، يعني تميل عن كهفهم فتدعهم، { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت } الشمس، { تَّقْرِضُهُمْ } ، يعني تدعهم { ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } ، يعني في زاوية من الكهف، { ذٰلِكَ } ، يعني هذا الذي ذكر من أمر الفتية، { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } ، يعني من علامات الله وصنعه، { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } لدينه، { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ } ، عن دينه الإسلام، { فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً } ، يعني صاحباً، { مُّرْشِداً } [آية: 17]، يعني يرشده إلى الهدى؛ لأن وليه مثله في الضلالة.

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } ، حين يقلبون، وأعينهم مفتحة. حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل، عن الضحاك: كان يقلبهم جبريل، عليه السلام، كل عام مرتين؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم، { وَهُمْ رُقُودٌ } ، يعني نيام، { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } ، على جنوبهم، وهم رقود لا يشعرون، { وَكَلْبُهُمْ } ، اسمه: قمطير، { بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } ، يعني الفضاء الذي على باب الكهف، وكان الكلب لمكسلمينا، وكان راعي غنم، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف؛ ليحرسهم، وأنام الله عز وجل الكلب في تلك السنين، كما أنام الفتية، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } [آية: 18].

{ وَكَذٰلِكَ } ، يعني وهكذا، { بَعَثْنَاهُمْ } من نومهم فقاموا، { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } فـ { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } ، وهومكسلمينا، وهو أكبرهم سناً، { كَم لَبِثْتُمْ } رقوداً، { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً } ، وكانوا دخلوا الغار غدوة، وبعثوا من آخر النهار، فمن ثم قالوا: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ } ، يعني الأكبر، وهو مكسلمينا وحده، { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } في رقودكم منكم، فردوا العلم إلى الله عز وجل، ثم قال مكسلمينا: { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ } ، يعني الدراهم، { هَـٰذِهِ } التى معكم، { إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } ، فبعثوا يمليخا، { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً } ، يعني أطيب طعاماً، { فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } ، يعني وليترفق حتى لا يفطن له، { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } [آية: 19]، يعني ولا يعلمن بمكانكم أحداً من الناس.

السابقالتالي
2 3