الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } * { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }

{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ } ، يعني من بعد فرعون، { لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ، وهم سبعون ألفاً من وراء نهر الصين معهم التوراة: { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } ، وذلك من بعد موسى، ومن بعد يوشع بن نون، { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } ، يعني ميقات الآخرة، يعني يوم القيامة، { جِئْنَا بِكُمْ } وبقوم موسى، { لَفِيفاً } [آية:104]، يعني جميعاً.

فهم وراء الصين فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة، ستة آلاف فرسخ، وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري، اسمه: أردف، يجمد كل سبت، وذلك أن بني إسرائيل قتلوا الأنبياء، وعبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم فرّق بيننا وبينهم، فضرب الله عز وجل سرباً في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين، فجعلوا يسيرون فيه، يفتح أمامهم ويسد خلفهم، وجعل لهم عموداً من النار، فأنزل الله عز وجل في الأعراف:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159].

فلما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، أتاهم فعلمهم الأذان، والصلاة، وسوراً من القرآن، فأسلموا، فهم القوم المؤمنون، ليست لهم ذنوب، وهم يجامعون نساءهم بالليل، وأتاهم جبريل، عليه السلام، مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة.

{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } ، لما كذب كفار مكة، يقول الله تبارك وتعالى: { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } ، من اللوح المحفوظ، يعني القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } به جبريل، عليه السلام، لم ينزله باطلاً لغير شىء، { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً } بالجنة، { وَنَذِيراً } [آية: 105] من النار.

{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } ، يعني قطعناه، يعني فرقناه بين أوله وآخره، عشرون سنة تترى، لم ننزله جملة واحدة، مثلها في الفرقان:لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً } [الفرقان: 32]، { لِـ } كي { تَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } ، يعني على ترتيل للحفظة، { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } [آية: 106] في ترسل آيات، ثم بعد آيات، يعني القرآن.