الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

{ سُبْحَانَ } ، يعني عجب، { ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } ، في رجب، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، { لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } ، يعني بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إن الله حرمها على أمتك، { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } ، يعني بالبركة الماء، والشجر، والخير، { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } ، فكان مما رأى من الآيات البراق، والرجال، والملائكة، وصلى بالنبيين تلك، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } [آية: 1].

وذلك " أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة، فقال لأم هانئ ابنة أبي طالب، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي: " لقد رأيت الليلة عجباً " ، قالت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: " لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما في بيت المقدس " ، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: " أتاني جبريل، عليه السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب وميكائيل، عليه السلام، بالباب ومعه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق، لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافرها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها، كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذ يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت ورأيت ".

فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيخرج، أخذت أم هانىء بحبرته، قالت: أين تخرج؟ قال: " أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت " ، فقالت: لا تفعل، فوالله ليجترأن عليك المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال: " وإن كذبوني لأخرجن " ، ونزع يدها من حبرته، فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم فقال: " ألا أحدثكم بالعجب؟ " ، قالوا: أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال: " لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لى النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم " ، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون.

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعاً، فآخذك بيدي أخذاً، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس، ورجعتك من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلاّ في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، فقالت قريش: يا أبا بكر، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق، رضى الله عنه: إن كان قال ذلك، فقد صدق.

السابقالتالي
2 3