ثم قال سبحانه: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } قومهم إلى المدينة، واعتزلوا بدينهم من المشركين، { فِي ٱللَّهِ } ، وفروا إلى الله عز وجل، { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } ، يعني من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة، نزلت في خمسة نفر،: عمار بن ياسر مولى أبى حذيفة بن المغيرة المخزومي، وبلال بن أبي رباح المؤذن، وصهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان بن النمر بن قاسط، وخباب بن الأرت، وهو عبد الله بن سعد بن خزيمة بن كعب مولى لأم أنما امرأة الأخنس بن شريق. { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } ، يعني لنعطينهم { فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } ، يعني بالحسنة الرزق الواسع، { وَلأَجْرُ } ، يعني جزاء { ٱلآخِرَةِ } ، يعني الجنة، { أَكْبَرُ } ، يعني أعظم مما أعطوه في الدنيا من الرزق، { لَوْ كَانُواْ } ، يعني أن لو كانوا { يَعْلَمُونَ } [آية: 41]. ثم نعتهم، فقال سبحانه: { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على العذاب في الدنيا، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [آية: 42]، يعني وبه يثقون. { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } ، نزلت في أبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وذلك أنهم قالوا في سبحان:{ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94] يأكل ويشرب، وتلاك الملائكة، فأنزل الله عز وجل: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } يا محمد صلى الله عليه وسلم، { إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } ، ثم قال: { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } ، يعني التوراة، { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [آية: 43] بأن الرسل كانوا من البشر، فسيخبرونكم بأن الله عز وجل لم يبعث رسولاً إلا من الإنس، يعنى: { بِٱلْبَيِّنَاتِ } بالآيات، { وَٱلزُّبُرِ } ، يعني حديث الكتب، { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } ، يعني القرآن، { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } من ربهم، { وَلَعَلَّهُمْ } ، يعني لكي { يَتَفَكَّرُونَ } [آية: 44] فيؤمنوا. ثم خوف كفار مكة، فقال سبحانه: { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } ، يعني الذين قالوا الشرك، { أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ } ، يعني جانباً منها، { أَوْ يَأْتِيَهُمُ } غير الخسف، { ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } [آية: 45]، يعني لا يعلمون أنه يأتيهم منه. { أَوْ يَأْخُذَهُمْ } العذاب، { فِي تَقَلُّبِهِمْ } في الليل والنهار، { فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } [آية: 46]، يعني سابقي الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة، حتى يجزيهم بها. { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } ، يقول: يأخذ أهل هذه القرية بالعذاب ويترك الأخرى قريباً منها لكي يخافوا فيعتبروا، يخوفهم بمثل ذلك، { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ } ، يعني يرق لهم، { رَّحِيمٌ } [آية: 47] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.