الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

بين ما حرم، قال عز وجل: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ } ، يعني وما ذبح { لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } من الآلهة، { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } إلى شىء مما حرم الله عز وجل في هذه الآية، { غَيْرَ بَاغٍ } يستحلها في دينه، { وَلاَ عَادٍ } ، يعني ولا معتد لم يضطر إليه فأكله، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما أصاب من الحرام، { رَّحِيمٌ } [آية: 115] بهم حين أحل لهم عند الاضطرار.

ثم عاب من حرم ما أحل الله عز وجل، فقال سبحانه: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ } ، يعني لما تقول، { أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } ، يعني ما حرموا للآلهة من الحرث والأنعام، وما أحلوا منها، { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } ، يعني يزعمون أن الله عز وجل أمرهم بتحريم الحرث والأنعام، ثم خوفهم، فقال سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } ، بأنه أمر بتحريمه، { لاَ يُفْلِحُونَ } [آية: 116] في الآخرة، يعني لا يفوزون.

ثم استأنف، فقال سبحانه: { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ، يتمتعون في الدنيا، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 117]، يقول: في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع.

ثم بين ما حرم على اليهود، فقال سبحانه: { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } في سورة الأنعام، قبل سورة النحل، قال سبحانه:وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ } [الأنعام: 146]، يعني المبعر،أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ } [الأنعام: 146] من الشحم،بِعَظْمٍ } [الأنعام: 146]، فهو لهم حلال من قبل سورة النحل، { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم وكل ذى ظفر، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [آية: 118] بقتلهم الأنبياء، واستحلال الربا والأموال، وبصدهم الناس عن دين الله عز وجل.

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } ، نزلت في جبر غلام ابن الحضرمي، أكره على الكفر بعد إسلامه، وقلبه مطمئن بالإيمان، يقول: راض بالإيمان، فعمد النبي صلى الله عليه وسلم فاشتراه وحل وثاقه، وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار، فأنزل الله عز وجل فيه: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } ، فكل ذنب من المؤمن فهو جهل منه، { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ } السوء، { وَأَصْلَحُوۤاْ } العمل، { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ } ، يعني من بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم، { رَّحِيمٌ } [آية: 119] بهم فيما بقي.