الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } * { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }

{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } ، يعني ملك، { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في علم الله في الشرك فيضلهم عن الهدى، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [آية: 99]، يقول: بالله يتقون.

{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ } ، يعني ملكه، { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } ، يعني يتبعونه على أمره، فيضلهم عن دينهم الإسلام، { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ } ، يعني بالله، { مُشْرِكُونَ } [آية: 100]، كقوله سبحانه:وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [إبراهيم: 22] من ملك يعني إبليس على أمره.

قوله عز وجل: { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ، يعني وإذا حولنا آية فيها شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } من التبديل من غيره، { قَالُوۤاْ } ، قال كفار مكة للنبى صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } ، يعني متقول على الله الكذب من تلقاء نفسك، قلت كذا وكذا، ثم نقضته وجئت بغيره. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 101] أن الله أنزله، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك.

{ قُلْ } يا محمد لكفار مكة: هذا القرآن، { نَزَّلَهُ } على { رُوحُ ٱلْقُدُسِ } ، يعني جبريل، عليه السلام، { مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } ، لم ينزله باطلاً، { لِيُثَبِّت } ، يعني ليستيقن، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، يعني صدقوا بما في القرآن من الثواب، { وَهُدًى } من الضلالة، { وَبُشْرَىٰ } لما فيه من الرحمة، { لِلْمُسْلِمِينَ } [آية: 102]، يعني المخلصين بالتوحيد، وأنزل الله عز وجل:يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } [الرعد: 39] من القرآن، { وَيُثْبِتُ } ، فينسخه ويثبت الناسخ،وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [الرعد: 39].

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } ،وذلك أن غلاماً لعامر بن الحضرمي القرشى يهودياً أعجمياً، كان يتكلم بالرومية يسمى يسار، ويكنى أبا فكيهة، كان كفار مكة إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه، قالوا: إنما يعلمه يسار أبو فكيهة، فأنزل الله تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } ، ثم أخبر عن كذبهم، فقال سبحانه: { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } ، يعني يميلون، كقوله سبحانه:وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [الحج: 25]، يعني يميل، { أَعْجَمِيٌّ } رومي، يعني أبا فكيهة، { وَهَـٰذَا } القرآن، { لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [آية: 103]، يعني بين يعقلونه، نظيرها في حم السجدة قوله سبحانه:وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [فصلت: 44]، لقالوا: محمد صلى الله عليه وسلم عربي، والقرآن أعجمي، فذلك قوله سبحانه: { قُرْآناً أعْجَمِيّاً } إلى آخر الآية.

فضربه سيده، فقال: إنك تعلم محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال أبو فكيهة: بل هو يعلمني، فأنزل الله عز وجل في قولهم:وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 192 - 193]؛ لقولهم: إنما يعلم محمداً صلى الله عليه وسلم يسار أبو فكيهة.