خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ } ، يعني حديث، { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } من الأمم حديث { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } من الأمم التى عذبت، عاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وغيرهم، { لاَ يَعْلَمُهُمْ } ، يعني لا يعلم عدتهم أحد، { إِلاَّ ٱللَّهُ } عز وجل، { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب بهم،، نظيرها في الروم:{ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } [الروم: 9]، يعني بنزول العذاب بهم في الدنيا.
{ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } ، يقول: وضع الكفار أيديهم في أفواههم، ثم قالوا للرسل: اسكتوا، فإنكم كذبة، يعنون الرسل، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا، { وَقَالُوۤاْ } للرسل: { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } ، يعني بالتوحيد، { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [آية: 9]، يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم.
{ قَالَتْ } لهم { رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ } ، يقول: أفي التوحيد لله شك؟ { فَاطِرِ } ، يعني خالق، { ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ } إلى معرفته، { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } ، والمن هاهنا صلة، كقوله سبحانه:{ شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ } [الشورى: 13]، { وَيُؤَخِّرَكُمْ } في عافية، { إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى } ، يقول: إلى منتهى آجالكم، فلا يعاقبكم بالسنين، فردوا على الرسل، { قَالُوۤاْ } لهم: { إِنْ أَنتُمْ } ، يعني ما أنتم، { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } ، لا تفضلونا في شىء، { تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا } ، يعني تمنعونا، { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } ، يعني دين آبائهم، { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [آية: 10]، يعني بحجة بينة، قالوا للرسل: ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله، فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله.
{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ } ، يعني ما نحن، { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ } يعني ينعم، { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } ، فيخصه بالنبوة والرسالة، { وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ } ، يعني بكتاب من الله بالرسالة، { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، يعني إلا بأمر الله، { وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ } ، يقول: وبالله فليق، { ٱلْمُؤْمِنُونَ } [آية: 11]، لقولهم للرسل لنخرجنكم من أرضنا.
ثم قال سبحانه: { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ } ، يعني وما لنا ألا نثق بالله، { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } ، يعني لديننا، { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [آية: 12]، يعني وبالله فليثق الواثقون.