الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } * { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

وكان أذاهم للرسل أن قالوا: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } ، يعني دينهم الكفر، فهذا الأذى الذي صبروا عليه، { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } ، يعني إلى الرسل، { لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 13]، يعني المشركين، في الدنيا ولننصرنكم.

يعنى { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } ، يعني هلاكهم، { ذٰلِكَ } الإنسان في الدنيا، { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } ، يعني مقام ربه عز وجل في الآخرة، { وَ } لمن { وَخَافَ وَعِيدِ } [آية: 14] في الآخرة.

{ وَٱسْتَفْتَحُواْ } ، يعني دعوا ربهم واستنصروا، وذلك أن الرسل أنذروا قومهم العذاب في الدنيا، فردوا عليهم: أنكم كذبة، ثم قالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا، فذلك قوله تعالى:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأعراف: 70]، فذلك قوله سبحانه: { وَٱسْتَفْتَحُواْ } ، يعني مشركي مكة، وفيهم أبو جهل، يعني ودعوا ربهم، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [آية: 15]، يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله عز وجل، نزلت في أبي جهل، { عَنِيدٍ } ، يعني معرض عن الإيمان مجانباً له.

ثم قال لهذا الجبار وهو في الدنيا: { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } ، من بعدهم، يعني من بعد موته، { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } [آية: 16]، يعني خليط القيح والدم الذي يخرج من أجداف الكفار يسقى الأشقياء.

{ يَتَجَرَّعُهُ } تجرعاً، { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } ألبتة، نظيرها:إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [النور: 40]، يقول: لا يراها البتة، { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ } في النار، { مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ } هذا، يعني ومن بعد إحدى وعشرين ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له: الهيهات، فتأكل ناره نار جهنم وأهلها، كما تأكل نار الدنيا القطن المندوف، ويأتيه الموت في النار من كل مكان، وما هو بميت، { وَمِن وَرَآئِهِ } { عَذَابٌ غَلِيظٌ } [آية: 17]، يعني شديد لا يفتر عنهم.