الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } ، يعني مصر، { ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } أنه سرق، { وَٱلّعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [آية: 82] فيما نقول، قال لهم يعقوب: كلما ذهبتم نقص منكم واحد، وكان يوسف، عليه السلام، حبس بنيامين، وأقام شمعون ويهوذا، فاتهمهم يعقوب، عليه السلام.

فـ { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ } ، يعني ولكن زينت لكم { أَنفُسُكُمْ أَمْراً } ، كان هو منكم هذا، { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } ، يعني صبراً حسناً لا جزع فيه، { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } ، يعني بنيه الأربعة، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بخلقه، { ٱلْحَكِيمُ } [آية: 83]، يعني الحاكم فيهم، ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره.

{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } ، يعني وأعرض يعقوب عن بنيه، ثم أقبل على نفسه، { وَقَالَ يٰأَسَفَا } ، يعني يا حزناه { عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ } ست سنين لم يبصر بهما، { مِنَ ٱلْحُزْنِ } على يوسف، { فَهُوَ كَظِيمٌ } [آية: 84]، يعني مكروب يتردد الحزن في قلبه.

{ قَالُواْ } ، أي قال بنوه يعيرونه: { تَالله تَفْتَأُ } ، يعني والله ما تزال { تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } ، يعني الدنف، { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } [آية: 85]، يعني الميتين.

{ قَالَ } لهم أبوهم: { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي } ، يعني ما بثه في الناس، { وَحُزْنِي } ، يعني ما بطن، { إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ } ، يعني من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [آية: 86].

{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن } ، يعني فابحثوا عن { يُوسُفَ وَأَخِيهِ } بنيامين، { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } ، يعني من رحمة الله، { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } ، يعني من رحمة الله، { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [آية: 87]، وذلك أن يعقوب، عليه السلام، رأى ملك الموت في المنام، فقال له: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، وبشره، فلما أصبح، قال: { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن }.

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } يوسف، { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } ، يعني الشدة والبلاء من الجوع، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } ، يعني دراهم نفاية فجوزها عنا، { فَأَوْفِ } ، يعني فوفِ { لَنَا ٱلْكَيْلَ } بسعر الجياد، { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } ، يقول: تكون هذه صدقة منك، يعنون معروفاً أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } [آية: 88] لمن كان على ديننا إضمار، ولو علموا أنه مسلم لقالوا: إن الله يجزيك بصدقتك.

فلما سمع ما ذكروا من الضر، { قَالَ } لهم: { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } ، يعني بي وبأخي بنيامين، { إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } [آية: 89]، يعني مذنبين.

{ قَالُوۤاْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } ، يقول: قد أنعم الله علينا: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } الزنا، { وَيِصْبِرْ } على الأذى، { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 90]، يعني جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه.

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ } ، يعني والله، { لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } ، يعني اختارك، كقوله في طه:

السابقالتالي
2