ورقي إلى الملك أن غلامه الخباز يريد أن يجعل في طعامه سماً، ورقي إليه في غلامه الساقي مثل ذلك، فذلك قوله: { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانَ } ، الخباز والساقي، اسم أحدهما شرهم أقم، وهو الساقي، واسم الخباز شرهم أشم، { قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ } في المنام كأني { أَعْصِرُ خَمْراً } ، يعني عنباً، قال: كأني دخلت البستان، فإذافيه أصل كرم، وعليه ثلاث عناقيد، فكأني أعصرهن وأسقي الملك، { وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ } ، رأيت في المنام كأني { أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً } ، ثلاث سلال، وأعلاهن جفنة من خبز فوق رأسي، مثل قوله:{ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [الأنفال: 12]، ومثله قوله:{ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 26]، يعني أعلا الأرض، { تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } ، يقول: أخبرنا بتفسير ما رأينا في المنام، { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 36]، وكان إحسانه في السجن أنه كان يعود مرضاهم ويداويهم، ويعزي مكروبهم، ورآه متعبداًَ لربه، فهذا إحسانه. { قَالَ } يوسف: ألا أخبر كما بأعجب من الرؤيا التي رأيتما، قال: { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } ، إلا أخبرتكما بألوانه { قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } الطعام، فقالوا ليوسف: إنما يعلم هذا الكهنة والسحرة، وأنت لست في هيئة ذلك، فقال يوسف لهما: { ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ } أولئك الكهنة والسحرة، يعني أهل مصر، { لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، يعني لا يصدقون بتوحيد الله، ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [آية: 37]. { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [آية: 38]. ثم دعاهما إلى الإسلام وهما كافران، فقال: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ } ، يعني الخباز والساقي، { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ } ، أآلهة شتى تعبدون خير، يعني أفضل، { أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [آية: 39] لخلقه؛ لأن الآلهة مقهورة، كقوله في النمل:{ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [النمل: 59] من الآلهة. ثم قال يوسف، عليه السلام: { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } من الآلهة { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } أنها آلهة، { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ } ، يعني القضاء، { إِلاَّ للَّهِ } في التوحيد، { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } ، يقول: أمر الله أن يوحد، ويعبد وحده، له التوحيد، { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ، يعني المستقيم، وغيره من الأديان ليس بمستقيم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } ، يعني أهل مصر، { لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 40] بتوحيد ربهم. { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً } ، وهو الساقي، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتكون على عملك، فتسقي سيدك خمراً، { وَأَمَّا ٱلآخَرُ } ، وهو الخباز، { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } ، واسمه شرهم أشم، قال له يوسف: تكون في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتصلب، فتأكل الطير من رأسك فكره الخباز تعبير رؤياه، فقال: ما رأيت شيئاً، إنما كنت ألعب، فقال له يوسف: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [آية: 41]، رأيتما أو لم تريا، فقد وقع بكما ما عبرت لكما.