الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } ، يعني ثماني عشرة سنة، { آتَيْنَاهُ حُكْماً } ، يقول: أعطيناه فهماً، { وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 22]، يعني وهكذا نجزي المخلصين بالفهم والعلم.

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } على نفسها وعلى يوسف في أمر الجماع، { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، يعني هلم لك نفسي، تريد المرأة الجماع، فغلبته بالكلام، { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } ، يعني أعوذ بالله، { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول: إنه سيدي، يعني زوجها، أكرم مثواي، يعني منزلتي، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } ، يعني لا يفوز { ٱلظَّالِمُونَ } [آية: 23] إن ظلمته في أهله، وألقى عليها شهوة أربعين إنساناً.

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ، يقول: همت المرأة بيوسف حتى استلقت للجماع، { وَهَمَّ بِهَا } يوسف حين حل سراويله وجلس بين رجليها، { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ، يعني آية ربه لواقعها، والبرهان مثل له يعثوب عاض على إصبعه، فلما رأى ذلك، ولى دبراً واتبعته المرأة { كَذَلِكَ } ، يعني هكذا، { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } ، يعني الإثم، { وَٱلْفَحْشَآءَ } ، يعني المعاصي، { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } [آية: 24] بالنبوة والرسالة، نظيرهاإِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ص: 46]، يعني بالنبوة.

{ وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ } ، يوسف أمامها هارب منها، وهي ورائه تتبعه لتحبسه على نفسها، فأدركته قبل أن ينتهي إلى الباب، { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } ، يقول: فمزقت قميصه من ورائه حتى سقط القميص عن يوسف، { وَأَلْفَيَا } ، يقول: وجدا، كقوله:أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } [البقرة: 170]، يعني وجدا { سَيِّدَهَا } ، يعني زوجها، { لَدَى ٱلْبَابِ } ، يعني عند الباب ومعه ابن عمها يملخا بن أزليخا، { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } ، يعني الزنا، { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ } حبساً في نصب، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 25]، يعني ضرباً وجيعاً.

{ قَالَ } يوسف للزوج: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } وهو يمليخا ابن عم المرأة، فتكلم بعقل ولب، قال: { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } [آية: 26]، أي إن كان يوسف هو الذي راودها، فقدت، يعني فمزقت قميصه من قُبل، يعني من قدامه، فصدقت على يوسف، ويوسف من الكاذبين في قوله.

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } [آية: 27]، أي وإن كان يوسف هو الهارب منها، فأدركته فقدت قميصه من دبر، فكذبت على يوسف، ويوسف من الصادقين في قوله، وقد سمعا جلبتهما وتمزيق القميص من وراء الباب.

{ فَلَمَّا رَأَى } الزوج { قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } ، يقول: مزق من ورائه، { قَالَ } لها: { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ } ، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعني امرأته، ثم قال: { إِنَّ كَيْدَكُنَّ } ، يعني فعلكن { عَظِيمٌ } [آية: 28]؛ لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة.

ثم قال الشاهد ليوسف: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } الأمر الذي فعلت بك، ولا تذكره لأحد، ثم أقبل الشاهد على المرأة، فقال: { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } ، يعني واعتذرى إلى زوجك واستعفيه ألا يعاقبك، { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } [آية: 29].

السابقالتالي
2