الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } * { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ } أرسلنا { أَخَاهُمْ صَالِحاً } ليس بأخيهم في الدين، ولكنه أخوهم في النسب، وهو صالح بن آسف، { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } ، يعني وحدوا الله، { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } ، يعني هو خلقكم من الأرض، { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ، يعني وعمركم في الأرض، { فَٱسْتَغْفِرُوهُ } من الشرك { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } منه { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ } منكم في الاستجابة { مُّجِيبٌ } [آية: 61] الدعاء، كقوله:فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186].

{ قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } ، يعني مأمولاً قبل هذا كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا، فما هذا الذي تدعونا إليه؟ { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } من الآلهة، { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ } من التوحيد { مُرِيبٍ } [آية: 62]، يعني بالمريب أنهم لا يعرفون شكهم.

{ قَالَ } صالح { يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } ، يعني على بيان من ربي، { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } ، يقول: أعطاني نعمة من عنده، وهو الهدى، { فَمَن يَنصُرُنِي } ، يعني فمن يمنعني { مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } ، يعني إن رجعت إلى دينكم، لقولهم صالح قد كنت فينا مرجو قبل هذا الذي تدعونا إليه، { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } [آية: 63]، يقول: فما تزيدونني إلا خساراً. قال عبد الله: قال الفراء: المعنى كلما دعوتكم زدتموني تباعداً مني، فأنتم بذلك تخسرون، يعني تهلكون.

{ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } ، يعني عبرة، { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } ، لا تكلفكم مؤنة، ولا علفاً، { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } ، يقول: ولا تصيبها بعقر، { فَيَأْخُذَكُمْ } في الدنيا، { عَذَابٌ قَرِيبٌ } [آية: 64] منكم، لا تمهلون حتى تعذبوا.

{ فَعَقَرُوهَا } ليلة الأربعاء بالسيف فماتت، { فَقَالَ } لهم صالح: { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ } ، يعني محلتكم في الدنيا، { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ } العذاب { وَعْدٌ } من الله { غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [آية: 65] ليس فيه كذب بأن العذاب نازل بهم بعد ثلاثة الأيام، فأهلكهم الله صبيحة يوم الرابع يوم السبت.

فذلك قوله: { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } ، يعني قولنا في العذاب، { نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } ، يعني بنعمة عليهم منا، { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } ، يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ، { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ } في نصر أوليائه، { ٱلْعَزِيزُ } [آية: 66]، يعني المنيع في ملكه وسلطانه حين أهلكهم.

{ وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، يعني الذين أشركوا { ٱلصَّيْحَةُ } ، صيحة جبريل، عليه السلام، { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [آية: 67]، يعني في منازلهم خامدين.

{ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } ، يقول: كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط، { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ } بتوحيد { رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } [آية: 68] في الهلاك.