الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } * { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }

{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا } في السفينة { بِسْمِ ٱللَّهِ } إذا ركبتموها، فقولوا: بسم الله { مَجْرَاهَا } حين تجري، { وَمُرْسَاهَا } حين تحبس، { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ } للذنوب، { رَّحِيمٌ } [آية: 41] بنا حين نجانا من العذاب.

{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } كنعان سبع مرات، وكان ابنه من صلبه، { وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ } كان معتزلاً عنه، { يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكافِرِينَ } [آية: 42] فتغرق معهم.

{ قَالَ } ابنه { سَآوِيۤ } ، يعني سأنضم، { إِلَىٰ جَبَلٍ } أصعده { يَعْصِمُنِي } ، يعني يمنعني { مِنَ } غرق { ٱلْمَآءِ قَالَ } نوح: { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ } ، يعني لا مانع اليوم { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } ، يعني به الغرق، ثم استثنى، فقال: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } ربي، يقول: من عصم من المؤمنين فركب معى في السفينة، فإنه لن يغرق، يقول الله تعالى: { وَحَالَ } ، يعني وحجز { بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ } ، يعني بين نوح وابنه كنعان، { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [آية: 43]، وغضب الله على كنعان حين ظن أن الجبل يمنعه من الله فلا يغرق.

{ وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } بعدما غرقتهم أجمعين، فابتلعت الأرض ما خرج منها من الماء، { وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي } ، يعني أمسكي، قال: فلم تقع قطرة، { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } ، يعني ونقص الماء وطهرت الجبال، { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } ، يعني العذاب بالغرق على الكافرين فغرقوا، { وَٱسْتَوَتْ } السفينة { عَلَى ٱلْجُودِيِّ } شهراً، وهو جبل قريب من الموصل؛ لأن الجبال تطاولت وتواضع الجودي، { وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 44]، يعني المشركين، يعني بالبعد الهلاك.

{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } ، يعني دعا نوح ربه، فيها تقديم، { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِي مِنْ أَهْلِي } الذين وعدتني أن تنجيهم من الغرق، { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } ، يعني الصدق، ولا خلاف له في النجاة، { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [آية: 45]، يعني خير الحاكمين لا تجور في القضاء.

{ قَالَ } الله تعالى: { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذين وعدتك أن أنجيهم، { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } ، يعني عمل شركاً، { فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ } ، يعني أؤدبك { أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [آية: 46] لسؤالك إياي.

{ قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ } بعد النهي { مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي } ذنبي، يعني مقالي، { وَتَرْحَمْنِيۤ } فلا تعذبني، { أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آية: 47] في العقوبة.

{ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ } من السفينة { بِسَلاَمٍ مِّنَّا } ، فسلمه الله ومن معه من الغرق، ثم قال: { وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } في السفينة، يعني بالبركة أنهم توالدوا وكثروا بعدما خرجوا من السفينة، ثم قال: { وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ } في الدنيا إلى آجالهم، { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا } يقول: يصيبهم منا { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آية: 48]، يعني وجيع، يعني بالأمم قوم هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، الذين أهلكهم الله في الدنيا بالعذاب بعد قوم نوح.

ثم قال: { تِلْكَ } القصة { مِنْ أَنْبَآءِ } ، يعني من أحاديث { ٱلْغَيْبِ } غاب عنك، لم تشهدها يا محمد، ولم تعلمها إلا بوحينا، { نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ } يا محمد { وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } القرآن حتى أعلمناك أمرهم في القرآن، يعني الأمم الخالية قوم نوح، وهود وصالح، وغيرهم، { فَٱصْبِرْ } على تكذيب كفار مكة، وعلى أذاهم { إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ } ، يعني الجنة { لِلْمُتَّقِينَ } [آية: 49] الشرك.