{ قُلْ } لكفار قريش، { مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، يعني المطر، { وَ } من { وَٱلأَرْضِ } ، يعني النبات والثمار، { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ } ، فيسمعها المواعظ، { وٱلأَبْصَارَ } ، فيريها العظمة، { وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } ، يعني النسمة الحية من النطفة، { وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } ، يعني أمر الدنيا، يعني القضاء وحده، { فَسَيَقُولُونَ } ، فسيقول مشركو قريش: { ٱللَّهُ } يفعل ذلك، فإذا أقروا بذلك، { فَقُلْ } يا محمد: { أَفَلاَ } ، يعني أفهلا { تَتَّقُونَ } [آية: 31] الشرك، يعني فهلا تحذرون العقوبة والنقمة.
{ فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } ، فماذا بعد عبادة الحق والإيمان إلا الباطل، { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [آية: 32].
{ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [آية: 33]، فأخبر بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون.
ثم قال: { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ } ، يعني الآلهة التى عبدوا من دون الله { مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } ، يقول: هل من خالق غير الله يخلق خلقاً من النطفة على غير مثال ولا مشورة، أمن يعيد خلقاً من بعد الموت، { فَسَيَقُولُونَ } في{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } { لِلَّهِ } [المؤمنون: 85]، { قُلِ } أنت يا محمد، { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [آية: 34]، يقول: فمن أين تكذبون بتوحيد الله إذا زعمتم أن مع الله إلهاً آخر.
{ قُلْ } للكفار يا محمد: { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ } ، يعني اللات، والعزى، ومناة، آلهتهم التي يعبدون، { مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } ، يقول: هل منهم أحد إلى الحق يهدي، يعني إلى دين الإسلام، { قُلِ ٱللَّهُ } يا محمد { يَهْدِي لِلْحَقِّ } ، وهو الإسلام، { أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ } ، وهي الأصنام والأوثان، { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } ، وبيان ذلك في النحل:{ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ } [النحل: 76]، ثم عابهم، فقال: { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [آية: 35]، يقول: ما لكم؟ كيف تقضون الجور؟ ونظيرها في { نۤ وَٱلْقَلَمِ } ، حين زعمتم أن معي شريكاً.
يقول: { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً } ، يعني الآلهة، يقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب، يقول الله: { إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي } عنهم { مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } ، يعني من العذاب شيئاً، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } [آية: 36].
{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، وذلك لأن الوليد بن المغيرة وأصحابه، قالوا: يا محمد، هذا القرآن هو منك وليس هو من ربك، فأنزل الله تعالى: { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، يقول: القرآن يصدق التوراة، والزبور، والإنجيل، { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، يعني تفصيل الحلال والحرام لا شك فيه، { مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 37].
{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } ، يا محمد على الله، { قُلْ } إن زعمتم أني افترتيه وتقولته، { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ } مثل هذا القرآن، { وَٱدْعُواْ } ، يقول: استعينوا عليه { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، يعني الآلهة، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [آية: 38] أن الآلهة تمنعهم من العذاب.
يقول الله { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } إذ زعموا أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ، يعني بيانه، { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم الخالية، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 39]، يعني المكذبين بالبعث.