الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } كالهَرْمىٰ والزَّمْنى { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } لفقرهم كمُزَينةَ وجُهينة وبني عذرة { حَرَجٌ } إثمٌ في التخلف { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وهو عبارةٌ عن الإيمان بهما والطاعةِ لهما في السر والعلنِ وتولِّيهما في السراء والضراءِ والحبِّ فيهما والبغضِ فيهما كما يفعل المَوْلى الناصحُ بصاحبه { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمون ما سبق أي ليس عليهم جناحٌ ولا إلى معاتبتهم سبـيلٌ، ومن مزيدةٌ للتأكيد، ووضْعُ المحسنين موضِعَ الضمير للدِلالة على انتظامهم بنُصحهم لله ورسولِه في سلك المحسنين، أو تعليلٌ لنفي الحرجِ عنهم، أي ما على جنس المحسنين من سبـيل وهم من جملتهم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذيـيلٌ مؤيدٌ لمضمون ما ذُكر مشيرٌ إلى أن بهم حاجةً إلى المغفرة وإن كان تخلُّفهم بعذر.

{ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } عطفٌ على المحسنين كما يُؤذِن به قولُه عز وجل فيما سيأتي: { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } الآية، وقيل: عطفٌ على الضعفاء وهم البكّاؤون، سبعةٌ من الأنصار: معقِلُ بنُ يسارَ وصخرُ بنُ خنساءَ وعبدُ اللَّه بنُ كعبٍ وسالمُ بنُ عميرٍ وثعلبةُ بنُ غنمةَ وعبدُ اللَّه بنُ معقِلٍ وعلبةُ بنُ زيد أتوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نذرْنا الخروجَ فاحمِلنا على الخِفافِ المرقوعة والنعالِ المخصوفة نغْزُ معك فقال عليه السلام: «لا أجد»، فتولَّوا وهم يبكون، وقيل: هم بنو مُقرِّن معقِلٌ وسويدٌ ونُعمانُ وقيل: أبو موسى الأشعريُّ وأصحابُه رضي الله عنه تعالى عنهم { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } حالٌ من الكاف في أتوك بإضمار قد وما عامةٌ لِما سألوه عليه السلام وغيرَه مما يُحمل عليه عادة وفي إيثار (لا أجد) على ليس عندي من تلطيف الكلامِ وتطيـيبِ قلوبِ السائلين ما لا يخفى كأنه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده { تَوَلَّوْاْ } جوابُ إذا { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ } أي تسيل بشدة { مِنَ ٱلدَّمْعِ } أي دمعاً فإن من البـيانية مع مجرورها في حيز النصب على التميـيز وهو أبلغُ من يفيض دمعُها لإفادتها أن العينَ بعينها صارت دمعاً فيّاضاً والجملةُ حاليةٌ وقوله عزّ اسمُه: { حَزَناً } نُصب على العلية أو الحالية أوالمصدرية لفعل دل عليه ما قبله أي تفيض للحزن فإن الحزنَ يُسند إلى العين مجازاً كالفيض، أو تولوا له أو حزِنين أو يحزنون حزناً فتكون هذه الجملةُ حالاً من الضمير في تفيض { أَلاَّ يَجِدُواْ } على حذف لامٍ متعلقة بحَزَناً أو تفيض أي لئلا يجدوا { مَا يُنْفِقُونَ } في شراء ما يحتاجون إليه إذ لم يجدوه عندك.