الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ } أي المنافقين { نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي خبرُهم الذي له شأنٌ وهو ما فعل بهم والاستفهامُ للتقرير والتحذير { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرٰهِيمَ وِأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ } وهم قومُ شعيبٍ { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } قَرْياتُ قومِ لوطٍ ائتفَكَت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلَها وأُمطروا حجارةً من سجيل وقيل: قرياتُ المكذبـين بهم وائتفاكُهن انقلابُ أحوالِهن من الخير إلى الشر { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ } استئنافٌ لبـيان نبئهم { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } الفاءُ للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلامُ ويستدعيه النظامُ أي فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى فما ظلمهم بذلك، وإيثارُ ما عليه النظمُ الكريمُ للمبالغة في تنزيه ساحةِ السُّبحان عن الظلم، أي ما صح وما استقام له أن يظلِمهم ولكنهم ظلموا أنفسَهم، والجمعُ بـين صيغتي الماضي والمستقبل في قوله عز وجل: { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } للدِلالة على استمرار ظلمِهم حيث لم يزالوا يعرِّضونها للعقاب بالكفر والتكذيب، وتقديمُ المفعول لمجرد الاهتمام به مع مراعاة الفاصلةِ من غير قصدٍ إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديمَ موجباً للقصر فيكون كما في قوله تعالى:وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } [هود: 101] من غير قصر للظلم على الفاعل أو المفعول وسيجيء لهذا مزيدُ بـيان في قوله سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

[يونس: 44] { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } بـيانٌ لحسن حالِ المؤمنين والمؤمنات حالاً ومآلاً إثرَ بـيانِ قبحِ حالِ أضدادِهم عاجلاً وآجلاً، والتعبـيرُ عن نسبة هؤلاء بعضِهم إلى بعض بالولاية وعن نسبة أولئك بمن الاتصالية للإيذان بأن نسبةَ هؤلاء بطريق القرابة الدينيةِ المبنية على المعاقدة المستتبعةِ للآثار من المعونة والنصرة وغيرِ ذلك ونسبةُ أولئك بمقتضى الطبـيعةِ والعادة { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي جنسِ المعروف والمنكرِ المنتظمَين لكل خير وشر { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ } فلا يزالون يذكرون الله سبحانه فهو في مقابلة ماسبق من قوله تعالى: نسُوا الله { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ } بمقابلة قوله تعالى:وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي في كل أمر ونهي، وهو بمقابله وصفِ المنافقين بكمال الفسقِ والخروج عن الطاعة { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المؤمنين والمؤمنات باعتبار اتصافِهم بما سلف من الصفات الفاضلة وما فيه من معنى البعدِ للإشعار ببُعد درجتِهم في الفضل أي أولئك المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة { سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } أي يُفيض عليهم آثارَ رحمتِه من التأيـيد والنصرة البتة لما أن السين مؤكدةٌ للوقوع كما في قولك: سأنتقم منك { أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } تعليلٌ للوعد أي قويٌّ قادرٌّ على إعزاز أوليائه وقهر أعدائه { حَكِيمٌ } يبني أحكامَه على أساس الحِكمةِ الداعيةِ إلى إيصال الحقوقِ من النعمة والنقمة إلى مستحقيها من أهل الطاعة وأهلِ المعصية وهذا وعدٌ للمؤمنين متضمِّنٌ لوعيد المنافقين كما أن ما سبق في شأن المنافقين من قوله تعالى: { فَنَسِيَهُمْ } وعيدٌ لهم متضمنٌ لوعد المؤمنين فإن منعَ لطفِه تعالى عنهم لطفٌ في حق المؤمنين.