الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ }

{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ } أي في التخلف مطلقاً على الأول أو لكراهة الجهادِ على الثاني { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } تخصيصُ الإيمان بهما في الموضعين للإيذان بأن الباعثَ على الجهاد ببذل النفسِ والمالِ إنما هو الإيمانُ بهما إذ به يتسنى للمؤمنين استبدالُ الحياةِ الأبدية والنعيمِ المقيمِ الخالدِ بالحياة الفانية والمتاعِ الكاسد { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } عطفٌ على الصلة، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدِلالة على تحقق الريب وتقرُّره { فَهُمُ } حالَ كونهم { فِى رَيْبِهِمْ } وشكِّهم المستقرِّ في قلوبهم { يَتَرَدَّدُونَ } أي يتحيرون فإن الترددَ ديدنُ المتحيَّرِ كما أن الثباتَ ديدنُ المستبصِر، والتعبـيرُ عنه به مما لا يخفى حسنُ موقعِه { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } يدل على أن بعضَهم قالوا عند الاعتذارِ: كنا نريد الخروجَ لكن لم نتهيأ له، وقد قرُب الرحيلُ بحيث لا يمكننا الاستعدادُ، فقيل تكذيباً لهم: لو أرادوه { لأَعَدُّواْ لَهُ } أي للخروج في وقته { عِدَّةَ } أي أُهبةً من العَتاد والراحلة والسلاح وغيرِ ذلك مما لا بد منه للسفر، وقرىء عُدَّه بحذف التاءِ، والإضافةِ إلى ضمير الخروج كما فعل بالعِدَة مَنْ قال:
[إنَّ الخليط أجَدُّوا البينَ فانجردوا]   وأخلفوك عِدَ الأمرِ الذي وعَدوا
أي عِدتَه وقرىء عِدّةً بكسر العين وعِدَّهُ بالإضافة { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } أي نهوضَهم للخروج. قيل: هو استدراك عما يُفهم من مقدم الشرطيةِ فإن انتفاءَ إرادتِهم للخروج يستلزم انتفاءَ خروجِهم، وكراهةَ الله تعالى انبعاثَهم تستلزم تثبـيطَهم عن الخروج، فكأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبَّطوا والاتفاق في المعنى لا يمنع الوقوعَ بـين طرَفي لكنْ بعد تحققِ الاختلافِ نفياً وإثباتاً في اللفظ كقولك: ما أحسن إلى زيد ولكنْ أساء والأظهرُ أن يكون استدراكاً من نفس المقدم عن نهج ما في الأقيسة الاستثنائيةِ والمعنى لو أرادوا الخروجَ لأعدوا له عُدةً ولكن ما أرادوه لِما أنه تعالى كره انبعاثَهم لما فيه من المفاسد التي ستَبِـين { فَثَبَّطَهُمْ } أي حبسهم بالجُبن والكسلِ فثبطوا عنه ولم يستدعوا له { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ } تمثيلٌ لإلقاء الله تعالى كراهةَ الخروجِ في قلوبهم أو لوسوسة الشيطانِ بالأمر بالقعود أو هو حكايةُ قولِ بعضِهم لبعض أي هو إذنُ الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في القعود، والمرادُ بالقاعدين إما المعذورون أو غيرُهم، وأياً ما كان فغيرُ خالٍ عن الذم.