الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

{ قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } أمرَهم بقتال أهلِ الكتابـين إثرَ أمرِهم بقتال المشركين وبمنعهم من أن يحرموا حول ما كانوا يفعلونه من الحج والعمرةِ غيرَ خائفين من الفاقة المتوهَّمةِ من انقطاعهم، ونبّههم في تضاعيف ذلك على بعض طرقِ الإغناء الموعودِ على الوجه الكليِّ وأرشدهم إلى سلوكه ابتغاءً لفضله واستنجازاً لوعده، والتعبـيرُ عنهم بالموصول للإيذان بعلِّية ما في حيز الصلةِ للأمر بالقتال وبانتظامهم بسبب ذلك في سلك المشركين، فإن اليهودَ مُثَنّيةٌ والنصارى مُثلِّثةٌ، فهم بمعزل من أن يؤمنوا بالله سبحانه وباليوم الآخر فإن عِلمَهم بأحوال الآخرة كلا علمٍ، فإيمانُهم المبنيُّ عليه ليس بإيمان به { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي ما ثبت تحريمُه بالوحي متلوّاً أو غيرَ متلوٍ. وقيل: المرادُ برسوله الرسولُ الذي يزعُمون اتباعَه أي يخالفون أصلَ دينهم المنسوخِ اعتقاداً وعملاً { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } الثابتَ الذي هو ناسخٌ لسائر الأديان وهو دينُ الإسلام وقيل: دين الله { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } من التوراة والإنجيل، فمن بـيانيةٌ لا تبعيضيةٌ حتى يكونَ بعضُهم على خلاف ما نُعت { حَتَّىٰ يُعْطُواْ } أي يقبَلوا أن يعطوا { ٱلْجِزْيَةَ } أي ما تقرَّرَ عليهم أن يُعطوه، مشتقٌّ من جزَى دَينَه أي قضاه، أو لأنهم يَجْزُون بها مَنْ مَنّ عليهم بالإعفاء عن القتل { عَن يَدٍ } حالٌ من الضمير في يُعطوا أي عن يد مؤاتيةٍ مطيعةٍ بمعنى منقادين، أو من يدهم بمعنى مسلّمين بأيديهم غيرَ باعثين بأيدي غيرِهم ولذلك مُنع من التوكيل فيه، أو عن غِنىً ولذلك لم تجِب الجزيةُ على الفقير العاجزِ، أو عن يد قاهرةِ عليهم أي بسبب يد بمعنى عاجزين أذلأَ أو عن إنعام عليهم، فإن إبقاءَ مُهجتِهم بما بذلوا من الجِزية نعمةٌ عظيمةٌ عليهم، أو من الجزية أي نقداً مسلّمةً عن يد إلى يد، وغايةُ القتالِ ليست نفسَ هذا الإعطاء بل قبولَه كما أشير إليه { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } أي أذلاءُ وذلك بأن يأتيَ بها بنفسه ماشياً غيرَ راكبٍ ويسلِّمَها وهو قائمٌ والمتسلِّمُ جالسٌ ويُؤخَذَ بتَلْبـيبه ويقال له: أدِّ الجزية وإن كان يؤديها، وهي تؤخذ عند أبـي حنيفة رضي الله عنه من أهل الكتاب مطلقاً ومن مشركي العجَم لا من مشركي العرب، وعند أبـي يوسف رضي الله عنه لا تؤخذ من الأعجميِّ كتابـياً كان أو مشركاً وعند الشافعي رضي الله عنه تؤخذ من أهل الكتابِ عربـياً أو عجمياً، ولا تؤخذ من أهل الأوثانِ مطلقاً، وذهب مالكٌ والأوزاعيُّ إلى أنها تؤخذ من جميع الكفارِ، وأما المجوسُ فقد اتفقت الصحابةُ رضي الله عنهم على أخذ الجزيةِ منهم لقوله عليه الصلاة والسلام: " سُنّوا بهم سُنَّةَ أهلِ الكتاب "

السابقالتالي
2