الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ءابَاءكُمْ وَإِخْوٰنَكُمْ أَوْلِيَاء } نهيٌ لكل فردٍ من أفراد المخاطَبـين عن موالاة فردٍ من المشركين بقضية مقابلةِ الجمعِ بالجمع الموجبةِ لانقسام الآحادِ إلى الآحاد كما في قوله عز وجل:وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [البقرة: 270] لا عن موالاة طائفةٍ منهم فإن ذلك مفهومٌ من النظم دِلالةً لا عبارةً والآية نزلت في المهاجرين فإنهم لما أُمروا بالهجرة قالوا: إنْ هاجرنا قطَعْنا آباءَنا وأبناءَنا وعشيرتَنا وذهبت تجارتُنا وهلكتْ أموالُنا وخَرِبَتْ ديارُنا وبقِينا ضائعين فنزلت فهاجروا فجعل الرجلُ يأتيه ابنُه أو أبوه أو أخوه أو بعضُ أقاربه فلا يلتفت إليه ولا يُنزِله ولا يُنفق عليه ثم رُخِّصَ لهم في ذلك. وقيل: نزلت في التسعة الذين ارتدوا ولحِقوا بمكةَ نهياً عن موالاتهم، وعن النبـي صلى الله عليه وسلم: " لا يطعَمُ أحدُكم طعمَ الإيمانِ حتى يُحب في الله أبعدَ الناس منه ويُبغضَ في الله أقربَ الناس إليه " { إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ } أي اختاروه { عَلَى ٱلإِيمَـٰنِ } وأصرّوا عليه إصراراً لا يُرجى معه الإقلاعُ عنه أصلاً، وتعليقُ النهي عن الموالاة بذلك لما أنها قبلَ ذلك ربما تؤدي بهم إلى الإسلام بسبب شعورِهم بمحاسن الدين { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ } أي واحداً منهم كما أشير إليه، وإفرادُ الضميرِ في الفعل لمراعاة لفظِ الموصولِ وللإيذان باستقلال كلِّ واحدٍ منهم في الاتصاف بالظلمِ لا أن المرادَ تولي فردٍ واحدٍ، وكلمةُ مِنْ في قوله تعالى: { مّنكُمْ } للجنس لا للتبعيض { فَأُوْلَـئِكَ } أي أولئك المتولّون { هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بوضعهم الموالاةَ في غير موضعِها كأنّ ظلمَ غيرِهم كلا ظلمٍ عند ظلمِهم.

{ قُلْ } تلوين للخطاب وأمرٌ له عليه الصلاة والسلام بأن يُثبِّت المؤمنين ويقوّيَ عزائمَهم على الانتهاء عما نُهوا عنه من موالاة الآباءِ والإخوانِ ويزهِّدَهم فيهم وفيمن يجري مجراهم من الأبناء والأزواج ويقطعَ علائقَهم عن زخارف الدنيا وزينتِها على وجه التوبـيخ والترهيب { إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوَاجُكُم } لم يُذكر الأبناءُ والأزواجُ فيما سلف لأن موالاةَ الأبناءِ والأزواجِ غيرُ معتادةٍ بخلاف المحبة { وَعَشِيرَتُكُمْ } أي أقرباؤُكم مأخوذ من العِشرة أي الصحبة وقيل: من العشَرة فإنهم جماعةٌ ترجِع إلى عَقد كعقد العشرة، وقرىء عشيراتكم وعشائرُكم { وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } أي اكتسبتموها وإنما وصفت بذلك إيماءً إلى عزتها عندهم لحصولها بكد اليمين { وَتِجَـٰرَةٌ } أي أمتعةٌ اشتريتموها للتجارة والربح { تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } بفوات وقتِ رواجِها بغَيْبتكم عن مكةَ المعظمةِ في أيام الموسم { وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا } أي منازلُ تعجبكم الإقامةُ فيها من الدور والبساتينِ، والتعرُّضُ للصفات المذكورة للإيذان بأن اللومَ على محبة ما ذكر من زينة الحياةِ الدنيا ليس لتناسي ما فيها من مبادي المحبة وموجباتِ الرغبة فيها وأنها مع ما لها من فنون المحاسنِ بمعزل عن أن يُؤثَرَ حبُّها على حبه تعالى وحبِّ رسولِه عليه الصلاة والسلام كما في قوله عز وجل:

السابقالتالي
2