الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

{ وَءاخَرُونَ } عطفٌ على آخرون قبله أي ومن المتخلفين من أهل المدينةِ ومَنْ حولها من الأعراب قومٌ آخرون غيرُ المعترفين المذكورين { مُرْجَوْنَ } وقرىء مُرْجَئون من أرجيتُه وأرجأتُه أي أخرتُه ومنه المُرْجِئة الذين لا يقطعون بقبول التوبة { لأَمْرِ ٱللَّهِ } في شأنهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم كعبُ بنُ مالك ومَرارةُ بنُ الربـيع وهلالُ بنُ أميةَ لم يسارعوا إلى التوبة والاعتذار كما فعل أبو لُبابةَ وأصحابُه من شد أنفسِهم على السواري وإظهارِ الغمّ والجزَعِ والندمِ على ما فعلوا فوقَفهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونهى أصحابَه عن أن يسلّموا عليهم ويكلموهم وكانوا من أصحاب بدر فهجروهم، والناسُ في شأنهم على اختلاف فمن قائلٍ: هلكوا وقائل: عسى الله أن يغفرَ لهم فصاروا عندهم مُرجَئين لأمره تعالى { إِمَّا يُعَذّبُهُمْ } إن بقوُا على ما هم عليه من الحال وقيل: إن أصروا على النفاق وليس بذاك فإن المذكورين ليسوا من المنافقين { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } إن خلَصت نيتُهم وصحت توبتُهم والجملةُ في محل النصبِ على الحالية أي منهم هؤلاء إما معذَّبـين وإما مَتوباً عليهم، وقيل: آخرون مبتدأٌ ومرجون صفتُه وهذه الجملةُ خبره { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوالهم { حَكِيمٌ } فيما فعل بهم من الإرجاء وما بعده وقرىء والله غفور رحيم { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا } عطفٌ على ما سبق أي ومنهم الذين أو نصبٌ على الذم وقرىء بغير واو لأنها قصة على حيالها { ضِرَارًا } أي مضارّةً للمؤمنين وانتصابُه على أنه مفعولٌ ثانٍ لاتخذوا أو على أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعل مقدر منصوبٍ على الحالية أي يضارّون بذلك ضراراً أو على أنه مصدرٌ بمعنى الفاعل وقع حالاً من ضمير اتخذوا أي مضارِّين للمؤمنين. (روي " أن بني عمرو بنِ عَوْف لما بنَوا مسجدَ قُباءَ بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهَم فيصليَ بهم في مسجدهم فلما فعله عليه الصلاة والسلام حسدتْهم إخوتُهم بنو غنم بنِ عوف وقالوا: نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامرٍ الراهب أيضاً إذا قدم من الشام) وهو الذي سماه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفاسقَ (وقد كان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتُك معهم فلم يزل يفعل ذلك إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازنُ يومئذ ولّى هارباً إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استعدتم من قوة وسلاح فإني ذاهبٌ إلى قيصرَ وآتٍ بجنود ومخرجٌ محمداً وأصحابَه من المدينة) (فبنَوا مسجداً إلى جنب مسجد قباءَ وقالوا للنبـي صلى الله عليه وسلم: بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجةِ والليلةِ المطيرة والشاتية ونحن نحب أن تصليَ لنا فيه وتدعوَ لنا بالبركة فقال عليه الصلاة والسلام: " إني على جناح سفر وحالِ شُغْلٍ وإذا قدِمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه " فلما قفَل عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوكَ سألوه إتيانَ المسجد فنزلت عليه فدعا بمالك بنِ الدخشم ومعنِ بن عدي وعامر بنِ السكن ووحشي فقال لهم: " انطلقوا إلى هذا المسجد الظالمِ أهلُه فاهدِموه وأحرِقوه " ففعلوا وأمر أن يتخذ مكانه كُناسةٌ تلقى فيها الجيفُ والقُمامة وهلك أبو عامر الفاسقُ بالشام بقِنَّسْرين) "

السابقالتالي
2