الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

{ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } أيْ صحفُ الأعمالِ فإنَّها تُطوى عندَ الموتِ وتنشرُ عند الحسابِ. عنِ النبـيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قالَ: " " يُحشرُ النَّاسُ عُراةً حُفاةً " فقالتْ أمُّ سلمةَ فكيفَ بالنساءِ فقالَ: " شُغلَ الناسُ يا أُمَّ سلمةَ " قالتْ وما شغلَهُم قالَ: " نشرُ الصحفِ فيها مثاقيلُ الذرِّ ومثاقيلُ الخردلِ " وقيلَ نُشرتْ أي فُرِّقتْ بـينَ أصحابِها، وعن مَرْثَدِ بنِ وَدَاعةَ: إذَا كانَ يومُ القيامةِ تطايرتِ الصحفُ من تحت العرشِ فتقعُ صحيفةُ المؤمنِ في يدِه في جنةٍ عاليةٍ وتقعُ صحيفةُ الكافرِ في يده في سَمومٍ وحميمٍ أي مكتوبٌ فيها ذلكَ وهيَ صُحفٌ غيرُ صحفِ الأعمالِ. { وَإِذَا ٱلسَّمَاء كُشِطَتْ } قُطعتْ وأُزيلتْ كما يُكشطُ الإهابُ عن الذبـيحةِ والغطاءُ عن الشيءِ المستورِ بهِ وقُرِىءَ قُشطتْ،، واعتقابُ الكافِ والقافِ غيرُ عزيز كالكافُور والقافُورِ. { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعّرَتْ } أي أُوقدتْ إيقاداً شديداً قيلَ سَعَّرهَا غضبُ الله عزَّ وجلَّ وخَطَايَا بني آدمَ وقُرِىءَ سُعِرَتْ بالتَّخفيفِ. { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } أي قُرَّبتْ من المتقينَ كقولِه تعالى:وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [سورة ق، الآية 31] قيلَ: هذهِ اثنتا عشرةَ خصلةً ستٌّ منها في الدُّنيا أي فيمَا بـينَ النفختينِ وهُنَّ من أول السورةِ إلى قوله تعالى: { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ } على أنَّ المرادَ بحشرِ الوحوشِ جمعُها من كلِّ ناحيةٍ لا بعثُها للقصاصِ وستٌّ في الآخرةِ أي بعدَ النفخةِ الثانيةِ. وقولُه تعالَى: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } جوابُ إذَا على أنَّ المرادَ بها زمانٌ واحدٌ ممتدٌّ يسعَ ما في سباقها وسباقِ ما عُطفَ عليها من الخصالِ، مبدؤُه النفخةُ الأُولى ومنتهاهُ فصلُ القضاءِ بـينَ الخلائقِ لكنْ لا بمعْنى أنها تعلمُ ما تعلم في كلِّ جزءٍ من أجزاءِ ذلكَ الوقتِ المديدِ، أو عند وقوعِ داهيةٍ من تلكَ الدواهِي بلْ عند نشرِ الصحفِ إلا أنَّه لما كانَ بعضُ تلك الدَّواهِي من مباديهِ وبعضُها من روادفِه نُسبَ علمُها بذلكَ إلى زمانِ وقوعِ كُلِّها تهويلاً للخطب وتفظيعاً للحال، والمرادُ بمَا أَحضرتْ أعمالُها من الخيرِ والشرِّ وبحضورِها إما حضورُ صحائِفها كما يعربُ عنه نشرُها وإما حضورُ أنفسِها على ما قالُوا من أنَّ الأعمالَ الظاهرةَ في هذه النشأةِ بصور عرضيةٍ تبرزُ في النشأة الآخرةِ بصور جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحسنِ والقُبحِ على كيفياتٍ مخصوصةٍ وهيئاتٍ مُعينةٍ حتى إنَّ الذنوبَ والمعاصيَ تتجسمُ هناكَ وتتصورُ بصورةِ النَّارِ. وعَلى ذلكَ حُملَ قولُه تعالى:وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } [سورة التوبة، الآية 49 وسورة العنكبوت، الآية 54] وقولُه تعالَى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } [سورة النساء، الآية 10] وكذا قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حقِّ من يشربُ من آنيةِ الذهبِ والفضَّةِ " إنما يُجرجرُ في بطنِه نارَ جهنمَ "

السابقالتالي
2