الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } * { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ }

{ كِرَامٍ } عند الله عزَّ وجلَّ أو متعطفينَ على المؤمنينَ يكملونُهم ويستغفرونَ لهم { بَرَرَةٍ } أتقياءَ وقيل: مطيعينَ لله تعالى، من قولهم: فلانٌ يبرُّ خالقَهُ أي يطيعُه وقيل: صادقينَ من برَّ في يمينه { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ } دعاءٌ عليه بأشنعِ الدعواتِ وقوله تعالى: { مَا أَكْفَرَهُ } تعجبٌ من إفراطه في الكفران وبـيانٌ لاستحقاقِه للدعاءِ عليه، والمرادُ به إمَّا من استغنَى عن القُرآن الكريمِ الذي ذُكرتْ نعوتُه الجليلةُ الموجبةُ للإقبال عليه والإيمان به. وإما الجنسُ باعتبار انتظامه له ولأمثاله من أفراده لا باعتبار جميعِ أفرادِه، وفيه مع قصرِ متنه وتقاربِ قُطريه من الإنباءِ عن سخطٍ عظيمٍ ومذمةٍ بالغةٍ ما لا غايةَ وراءَهُ. وقولُه تعالَى: { مِنْ أَىّ شَىْء خَلَقَهُ } شروعٌ في بـيانِ إفراطِه في الكفرانِ بتفصيلِ ما أفاضَ عليه من مبدأ فطرتِه إلى مُنْتهَى عمرِه من فُنونِ النعمِ الموجبةِ لقضاءِ حقِّها بالشكرِ والطاعةِ مع إخلالِه بذلكَ، وفي الاستفهامِ عن مبدأ خلقِه ثم بـيانِه بقولِه تعالى: { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ } تحقيرٌ له أيْ مِنْ أيِّ شيءٍ حَقيرٍ مهينٍ خلقَهُ من نطفةٍ مذرةٍ خلقَهُ { فَقَدَّرَهُ } فهيَّأهُ لما يصلحُ لهُ ويليقُ به من الأعضاءِ والأشكالِ أو فقدَّرَهُ أطْواراً إلى أنْ تمَّ خلقُه. وقولُه تعالَى:

{ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } منصوبٌ بمُضمرٍ يفسرُهُ الظاهرُ، أيْ ثم سهَّلَ مخرجَهُ من البطنِ بأَنْ فتحَ فمَ الرحمِ وألهمَهُ أنْ ينتكسَ، أو يسرَ له سبـيلَ الخيرِ والشرِّ، ومكَّنهُ من السلوكِ فيهما. وتعريفُ السبـيلِ باللامِ دونَ الإضافةِ للإشعارِ بعمومِه. { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } أي جعلَهُ ذَا قبرٍ يُوارَى فيه تكرمةً لهُ ولم يدعْهُ مطروحاً على وجهِ الأرضِ جَزَرَاً للسباعِ والطير كسائرِ الحيوانِ، يقالُ قبرَ الميتَ إذَا دفنَهُ وأقبرَهُ إذا أمرَ بدفنِه أو مكنَ منْهُ. وعَدُّ الإماتةِ من النعمِ لأنَّها وصلةٌ في الجُملةِ إلى الحياةِ الأبديةِ والنعيمِ المقيمِ. { ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ } أيْ إذَا شاءَ إنشارَهُ أنشرَهُ على القاعدةِ المستمرةِ في حذفِ مفعولِ المشيئةِ، وفي تعليقِ الإنشارِ بمشيئتِه تعالى إيذانٌ بأنَّ وقتَهُ غيرُ متعينٍ بلْ هُو تابعٌ لهَا. وقُرِىءَ نَشَرهُ { كَلاَّ } ردعٌ للإنسان عمَّا هو عليه. وقولُه تعالى: { لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } بـيانٌ لسبب الرَّدعِ أي لم يقضِ بعدُ من لدنِ آدمَ عليهِ السَّلامُ إلى هذه الغايةِ مع طولِ المَدَى وامتدادِه ما أمرَهُ الله تعالَى بأسرِه إذْ لا يخلُو أحدٌ من تقصير ما كذا قالُوا وهكَذا نُقلَ عن مجاهدٍ وقَتَادَةَ ولا ريبَ في أنَّ مساقَ الآياتِ الكريمةِ لبـيانِ غايةِ عظيمِ جنايةِ الإنسانِ وتحقيقِ كُفرانِه المفرطِ المستوجب للسخطِ العظيمِ وظاهرٌ أنَّ ذلكَ لا يتحققُ بهذا القدرِ من نوعِ تقصيرٍ لا يخلُو عنْهُ أحدٌ من أفرادِه كيفَ لا وقَدْ قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " شيبتنِي سورة هودٍ "

السابقالتالي
2