الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ } توجيهُ الخطاب إلى المؤمنين لما أن المأمورَ به من وظائف الكلِّ كما أن توجيهَه فيما سبق وما لحِق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون ما في حيزه من وظائفه عليه الصلاة والسلام أي أعِدّوا لقتال الذين نُبذ إليهم العهدُ وهيِّئوا لحِرابهم أو لقتال الكفار على الإطلاق وهو الأنسبُ بسياق النظمِ الكريم { مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ } من كل ما يُتقوَّى به في الحرب كائناً ما كان وعن عقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه سمعتُه عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر: " ألا إن القوةَ الرميُ " قالها ثلاثاً. ولعل تخصيصَه عليه الصلاة والسلام إياه بالذكر لإنافته على نظائره من القُوى { وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } الرباطُ اسمٌ للخيل التي ترُبط في سبـيل الله تعالى فِعال بمعنى مفعول أو مصدرٌ سميت هي به يقال: رَبَط ربطاً ورِباطاً ورابط مُرابطة ورِباطاً، أو جمعُ رَبـيطٍ كفصيل وفصال، أو جمع رَبْطٍ ككعْبٍ وكَعاب وكلب وكلاب، وقرىء رُبُط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط، وعطفُها على القوة مع كونها من جملتها للإيذان بفضلها على بقية أفرادِها كعطف جبريلَ وميكائيلَ على الملائكة { تُرْهِبُونَ بِهِ } أي تخوّفون وقرىء تُرهّبون بالتشديد وقرىء تُخزون به والضميرُ لما استطعتم أو للإعداد وهو الأنسبُ ومحلُّ الجملةِ النصبُ على الحالية من فاعل أعدوا مرهِبـين به أو من الموصول أو من عائده المحذوفِ أي أعدوا ما استطعتموه مُرهَباً به { عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } وهم كفارُ مكة خُصّوا بذلك من بـين الكفار مع كون الكلِّ كذلك لغاية عتوِّهم ومجاوزتِهم الحدَّ في العداوة { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا } من غيرهم من الكفرة وقيل: هم اليهودُ وقيل: المنافقون وقيل: الفرسُ { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } أي لا تعرفونهم بأعيانهم أو لا تعلمونهم كما هم عليه من العداوة وهو الأنسبُ بقوله تعالى: { ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } أي لا غيرُه تعالى أيضاً: { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء } لإعداد العَتادِ قلَّ أو جل: { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } الذي أوضحه الجهاد { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي جزاؤه كاملاً { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } بترك الإثابة أو بنقض الثوابِ، والتعبـيرُ عن تركها بالظلم مع أن الأعمالَ غيرُ موجبةٍ للثواب حتى يكون تركُ ترتيبِه عليها ظلماً لبـيان كمالِ نزاهتِه سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدورُه عنه تعالى من القبائح، وإبرازُ الإثابةِ في معرِضِ الأمور الواجبةِ عليه تعالى كما مر في تفسير قولِه تعالى:فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } [آل عمران: 95] { وَإِن جَنَحُواْ } الجُنوحُ الميلُ ومنه الجنَاح ويعدّى باللام وبإلى، أي إن مالوا { لِلسَّلْمِ } أي للصلح بوقوع الرهبةِ في قلوبهم بمشاهدة ما بكم من الاستعدادِ وإعتادِ العتاد { فَٱجْنَحْ لَهَا } أي للسلم، والتأنيثُ لحمله على نقيضه قال:
السِّلمُ تأخذ منها ما رضيتَ به   والحربُ يكفيكَ من أنفاسها جُرَعُ
وقرىء فاجنُحْ بضم النون { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } ولا تخَفْ أن يُظهروا لك السلمَ وجوانحُهم مطويةٌ على المكر والكيد { إنَّهُ } تعالى { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } فيسمع ما يقولون في خلواتهم من مقالات الخِداع { ٱلْعَلِيمُ } فيعلم نياتِهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويردُّ كيدَهم في نحرهم والآيةُ خاصّةٌ باليهود وقيل: عامة نسختها آيةُ السيف.