الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

وقوله تعالى: { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } في محل النصبِ على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي حتى يغيروا ما بأنفسهم تغيـيراً كائناً كدأبِ آلِ فرعونَ أي كتغيـيرهم على أن دأبهَم عبارةٌ عما فعلوه فقط كما هو الأنسبُ بمفهوم الدأبِ وقوله تعالى: { كَذَّبُواْ بآيَـٰتِ رَبّهِمْ } تفسيرٌ بتمامه وقوله تعالى: { فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } إخبارٌ بترتب العقوبةِ عليه لا أنه من تمام تفسيرِه، ولا ضيرَ في توسط قوله تعالى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } بـينهما كما مر نظيرُه في سورة آل عمرانَ حيث جوّزوا انتصابَ محلِّ الكافِ بلن تغنيَ مع ما بـينهما من قوله تعالى:وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } وهذا على تقدير عطفِ الجملةِ على ما قبلها وأما على تقدير كونِها اعتراضاً فلا غبارَ في توسطها قطعاً وقيل: في محل الرفعِ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ كما قبله فالجملة حينئذٍ استئنافٌ آخَرُ مَسوقٌ لتقرير ما سبق له الاستئنافُ الأول بتشبـيه دأبِهم بدأب المذكورين لكن لا بطريق التكرير المحضِ بل بتغيـير العُنوانِ، وجعل الدأبِ في الجانبـين عبارةً عما يلازم معناه الأول من تغيـير الحالِ وتغيـيرِ النعمة أخذاً مما نطق به قوله تعالى: { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً } الآية، أي دأبُ هؤلاء وشأنُهم الذي هو عبارةٌ عن التغيـيرَيْن المذكورين كدأب أولئِك حيث غيّروا حالهم فغير الله تعالى نعمتَه عليهم فقوله تعالى: { كَذَّبُواْ بآيَـٰتِ رَبّهِمْ } تفسير لدأبهم الذي فعلوه من تغيـير لحالهم، وقوله تعالى { فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } تفسيرٌ لدأبهم الذي فُعل بهم من تغيـيره تعالى ما بهم من نعمته، وأما دأبُ قريشٍ فمستفادٌ منه بحكم التشبـيهِ فلله درُّ شأنِ التنزيل حيث اكتَفى في كل من التشبـيهين بتفسير أحدِ الطرفين.

وإضافة الآياتِ إلى الرب المضافِ إلى ضميرهم لزيادة تقبـيحِ ما فعلوا بها من التكذيب، والالتفاتُ إلى نون العظمةِ في أهلكنا جرياً على سَنن الكِبرياء لتهويل الخطبِ، والكلامُ في الفاء وفي قوله تعالى: { بِذُنُوبِهِمْ } كالذي مر، وعطفُ قوله تعالى:وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ } على أهلكنا مع اندراجه تحته للإيذان بكمال هولِ الإغراقِ وفظاعتِه كعطف جبريلَ عليه السلام على الملائكة { وَكُلٌّ } أي وكلٌّ من الفِرَق المذكورين أو كلٌّ من هؤلاء وأولئك أو كلٌّ من غرقى القِبط وقتلى قريشٍ { كَانُواْ ظَالِمِينَ } أي أنفسَهم بالكفر والمعاصي حيث عرَّضوها للهلاك أو واضعين للكفر والتكذيب مكانَ الإيمانِ والتصديق ولذلك أصابهم ما أصابهم.