الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً } منصوبٌ باذكُرْ أو بدلٌ آخرُ من (يومَ الفرقان) أو متعلقٌ بعليم أي يعلم المصالحَ إذ يقلّلهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبِرَ به أصحابَكم فيكونَ تثبـيتاً لهم وتشجيعاً على عدوهم { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ } أي لجبُنتم وهِبتم الإقدام { وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ } أي أمر القتال وتفرقتْ آراؤُكم في الثبات والقرار { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازعِ { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجُبن والصبر والجزَعِ ولذلك دبّر ما دبر { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِى أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } منصوبٌ بمضمر خوطب به الكلُّ بطريق التلوينِ والتعميم معطوفٌ على المضمر السابقِ، والضميرانِ مفعولا يُري وقليلاً حالٌ من الثاني وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه لمن إلى جنبه: أتراهم سبعين فقال: أراهم مائة تثبـيتاً لهم وتصديقاً لرؤيا الرسولِ صلى الله عليه وسلم { وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ } حتى قال أبو جهل: إنما أصحابُ محمد أكلةُ جَزور. قللهم في أعينهم قبل التحامِ القتالِ ليجترئوا عليهم ولا يستعدّوا لهم ثم كثّرهم حتى رأوْهم مثليهم لِتُفاجِئَهم الكثرةُ فيُبهَتوا ويهابوا، وهذه من عظائم آياتِ تلك الوقعةِ فإن البصرَ قد يرى الكثيرَ قليلاً والقليلَ كثيراً لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الوجهِ ولا إلى هذا الحد وإنما ذلك بصد الله تعالى الأبصارَ عن إبصار بعضٍ دون بعض مع التساوي في الشرائط { لّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } كُرر لاختلاف الفعل المعلَّلِ به أو لأن المرادَ بالأمر ـ ثَمةَ ـ الالتقاءُ على الوجه المذكور وهٰهنا إعزازُ الإسلام وأهلِه وإذلالُ الكفر وحِزبه { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } كلُّها يصرِفها كيفما يريد لا رادَّ لأمره ولا مُعقّبَ لحُكمه وهو الحكيم المجيد.