الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } * { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }

مكية وآيُها أربعون أو إحدى وأربعون

{ عَمَّ } أصله عَمَّا فحذفَ منه الألفُ إمَّا فرقاً بـينَ ما الاستفهاميةِ وغيرِها أو قصداً للخفةِ لكثرةِ استعمالِها. وقد قُرِىءَ على الأصلِ. وما فيهَا منَ الإيهامِ للإيذانِ بفخامةِ شأنِ المسؤولِ عنْهُ وهولِهِ وخروجِه عنْ حدودِ الأجناسِ المعهودةِ. أيْ عنْ أيِّ شيءٍ عظيمٍ الشأنِ { يَتَسَاءلُونَ } أيْ أهلُ مكةَ وكانُوا يتساءلونَ عن البعثِ فيما بـينهم ويخوضونَ فيه إنكاراً واستهزاءً لكنْ لا على طريقةِ التساؤلِ عن حقيقتِه ومسمَّاهُ بلْ عن وقوعِه الذي هو حالٌ من أحوالِه ووصفٌ من أوصافِه. فإنَّ مَا وإنْ وضعتْ لطلبِ حقائقِ الأشياءِ ومسمياتِ أسمائِها كما في قولك ما الملَكُ وما الروحُ لكنَّها قد يُطلبُ بَها الصفةُ والحالُ تقولُ ما زيدٌ فيقال عالمٌ أو طبـيبٌ وقيل: كانُوا يسألونَ عنه الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ والمؤمنينَ استهزاءً كقولِهم يتداعونهم أو يدعونهم وتحقيقُه أنَّ صيغةَ التفاعلِ في الأفعالِ المتعديةِ موضوعةٌ لإفادةِ صدورِ الفعلِ عن المتعددِ ووقوعِه عليهِ بحيثُ يصيرُ كلُّ واحدٍ من ذلكَ فاعلاً ومفعولاً معاً لكنَّه يرفعُ بإسنادِ الفعلِ إليه ترجيحاً لجانبِ فاعليتِه ويحالُ بمفعوليتِه على دلالةِ العقلِ كما في قولِك تراءَى القومُ أيْ رَأَى كلُّ واحدٍ منُهم الآخرَ وقد تجردَ عن المعنى الثانيِ فيرادُ بها مجردُ صدورِ الفعلِ عن المتعددِ عارياً عن اعتبارِ وقوعِه عليهِ فيُذْكر للفعلِ حينئذٍ مفعولٌ متعدد كمَا في المثالِ المذكورِ أو واحدٌ كما قي قولِك تراءَوا الهلالَ، وقد يحذفُ لظهورهِ كما فيما نحنُ فيهِ فالمَعْنى عن أيِّ شيءٍ يسألُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنينَ، وربَّما تجردَ عن صدورِ الفعلِ عن المتعددِ أيضاً فيرادُ بها تعددُه باعتبارِ تعددِ متعلَّقِه مع وحدةِ الفاعلِ كما في قولِه تعالَى:فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تَتَمَارَىٰ } [سورة النجم، الآية 55]. وقولُه تعالى: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } بـيانٌ لشأن المسؤولِ عنْهُ إثرَ تفخيمِه بإيهام أمرِه وتوجيِه أذهانِ السامعينَ نحوَه وتنزيلِهم منزلَه المستفهمينَ فإن إيرادَهُ عن طريقةِ الاستفهامِ من علاَّمِ الغيوبِ للتنبـيهِ على أنَّه لانقطاعِ قرينِه وانعدامِ نظيرِه، خارجٌ عن دائرةِ علومِ الخلقِ، خليقٌ بأنْ يُعتنى بمعرفتِه ويُسألَ عنْهُ كأنَّه قيلَ عنْ أيِّ شيءٍ يتساءلُون هلْ أُخبرِكُم بِه ثمَّ قيلَ بطريقِ الجوابِ عن النبأِ العظيمِ على منهاجِ قولِه تعالى:لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [سورة غافر، الآية 16] فعنْ متعلقةٌ بما يدلُّ عليهِ المذكورُ من مضمرٍ حقُّه أنْ يقدرَ بعدَها مسارعةً إلى البـيانِ ومراعاةً لترتيبِ السؤالِ هذا هو الحقيقُ بالجزالةِ التنزيليةِ، وقد قيلَ هي متعلقةٌ بالمذكورِ وعمَّ متعلقٌ بمضمرٍ مفسرٍ بهِ وأيدَّ ذلكَ بأنَّه قُرِىءَ عَمَّه والأظهرُ أنَّه مبنيٌّ على إجراءِ الوصلِ مُجرى الوقفِ، وقيل: عن الأُولى للتعليل كأنَّه قيلَ: لمَ يتساءلونَ عنِ النبأِ العظيمِ.

السابقالتالي
2