الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي ما ينتظر هؤلاءِ الكفرةُ بعدم إيمانِهم به إلا ما يؤول إليه أمرُه من تبـيّن صدقِه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } وهو يومُ القيامة { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي تركوه ترْكَ المنسيِّ من قبل إتيانِ تأويلِه { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } أي قد تبـين أنهم قد جاءوا بالحق { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا } اليوم ويدفعوا عنا العذاب { أَوْ نُرَدُّ } أي هل نرد إلى الدنيا وقرىء بالنصب عطفاً على فيشفعوا أو لأن أو بمعنى إلى أن، فعلى الأول المسؤولُ أحدُ الأمرين، إما الشفاعةُ الدفع للعذاب أو الرد إلى الدنيا وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاءُ إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد هو الرد { فَنَعْمَلَ } بالنصب على أنه جواب الاستفهام الثاني وقرىء بالرفع أي فنحن نعمل { غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } أي في الدنيا { قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } بصرف أعمارِهم التي هي رأسُ مالِهم إلى الكفر والمعاصي { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي ظهر بطلانُ ما كانوا يفترونه من أن الأصنامَ شركاءُ الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة.

{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } شروعٌ في بـيان مبدأ الفطرةِ إثرَ بـيانِ معادِ الكفَرة أي إن خالقَكم ومالكَكم الذي خلق الأجرامَ العلوية والسفليةَ في ستة أوقات كقوله تعالى:وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } [الأنفال، الآية 16] أو في مقدار ستةِ أيامٍ فإن المتعارفَ أن اليومَ زمانُ طلوعِ الشمسِ إلى غروبها، ولم تكن هي حينئذ وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعةُ دليلٍ على الاختيار واعتبارٌ للنُظّار وحثٌّ على التأني في الأمور { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي استوى أمرُه واستولى وعن أصحابنا أن الاستواءَ على العرش صفة الله تعالى بلا كيف والمعنى أنه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن، والعرشُ الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبـيه بسرير الملِك فإن الأمورَ والتدابـير تنزِل منه وقيل: الملك.

{ يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارَ } أي يغطّيه به ولم يُذكر العكسُ للعلم به أو لأن اللفظَ يحتملهما ولذلك قرىء بنصب الليلَ ورفع النهار وقرىء بالتشديد للدلالة على التكرار { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } أي يعقُبه سريعاً كالطالب له لا يفصل بـينهما شيء، والحثيثُ فعيل من الحث وهو صفةُ مصدرٍ محذوفٍ، أو حال من الفاعل أو من المفعول بمعنى حاثاً أو محثوثاً { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ بِأَمْرِهِ } أي خلقهن حال كونهِن مسخراتٍ بقضائه وتصريفِه، وقرىء كلُّها بالرفع على الابتداء والخبر { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } فإنه الموجدَ للكل والمتصرِّفَ فيه على الإطلاق { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظّم بالتفرد في الربوبـية.

السابقالتالي
2