الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } أي فراشٌ من تحتهم، والتنوينُ للتفخيم ومن تجريدية { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } أي أغطيةٌ والتنوينُ للبدل عن الإعلال عند سيبويهِ وللصرْفِ عند غيره، وقرىء غواشِ على إلغاء المحذوف كما في قوله تعالى:وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ } [الرحمن، الآية 24] { وَكَذٰلِكَ } ومثلَ ذلك الجزاءِ الشديد { نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } عبّر عنهم بالمجرمين تارةً وبالظالمين أخرى إشعاراً بأنهم بتكذيبهم الآياتِ اتّصفوا بكل واحدٍ من ذيْنِك الوصفين القبـيحين، وذكرُ الجُرم مع الحِرمان من دخول الجنةِ والظلم مع التعذيب بالنار للتنبـيه على أنه أعظمُ الجرائمِ والجرائرِ. { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي بآياتنا أو بكل ما يجب أن يُؤمَنَ به فيدخُل فيه الآياتُ دخولاً أولياً وقوله تعالى: { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } أي الأعمالَ الصالحةَ التي شُرعت بالآيات، وهذا بمقابلة الاستكبارِ عنها { لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } اعتراضٌ وُسّط بـين المبتدإِ الذي هو الموصولُ والخبرِ الذي هو الجملةُ { أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } للترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببـيان سهولةِ منالِه وتيسُّر تحصيلِه، وقرىء لا تُكَلَّف نفسٌ، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ، وأصحابُ الجنةِ خبرُه والجملةُ خبرٌ للمبتدإ الأولِ، أو اسمُ الإشارةِ بدلٌ من المبتدأ الأولِ الذي هو الموصولُ والخبرُ أصحابُ الجنة. وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببعد منزلتِهم في الفضل والشرف { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } حالٌ من أصحاب الجنة وقد جوز كونُه حالاً من الجنة لاشتماله على ضميرها والعاملُ معنى الإضافةِ أو اللام المقدرةِ أو خبرٌ ثانٍ لأولئك على رأي من جوّزه وفيها متعلق بخالدون.

{ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } أي نخرج من قلوبهم أسبابَ الغل أو نطهرها منه حتى لا يكون بـينهم إلا التوادُّ. وصيغةُ الماضي للإيذان بتحققه وتقررِه، وعن علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمانُ وطلحةُ والزبـيرُ منهم { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ } زيادةٌ في لذتهم وسرورهم، والجملةُ حالٌ من الضمير في صدورهم والعاملُ إما معنى الإضافة وإما العاملُ في المضاف أو حال من فاعل نزعنا والعاملُ نزعنا وقيل: هي مستأنفةٌ للإخبار عن صفة أحوالِهم { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي لِما جزاؤُه هذا { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } أي لهذا المطلبِ الأعلى أو لمطلب من المطالب التي هذا من جملتها { لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } ووفقنا له، واللام لتأكيد النفي وجوابُ لولا محذوفٌ ثقةً بدِلالة ما قبله عليه، ومفعولُ نهتدي وهدانا الثاني محذوفٌ لظهور المرادِ أو لإرادة التعميمِ كما أشير إليه، والجملةُ مستأنَفةٌ أو حالية وقرىء ما كنا لنهتديَ الخ، بغير واو على أنها مبـيِّنة ومفسرةٌ للأولى.

{ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا } جوابُ قسمٍ مقدر قالوه تبجّحاً واغتباطاً بما نالوه وابتهاجاً بإيمانهم بما جاءتهم الرسلُ عليهم السلام والباء في قوله تعالى: { بِٱلْحَقّ } إما للتعدية فهي متعلقةٌ بجاءت أو للملابسة فهي متعلقةٌ بمقدرٍ وقع حالاً من الرسل أي والله لقد جاءوا بالحق أو لقد جاءوا ملتبسين بالحق { وَنُودُواْ } أي نادتهم الملائكةُ عليهم السلام { أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } أنْ مفسرةٌ لما في النداء من معنى القولِ أو مخففةٌ من أنّ وضمير الشأنِ محذوفٌ، ومعنى البُعدِ في اسم الإشارةِ إما لأنهم نوُدوا عند رؤيتِهم إياها من مكان بعيد، وإما رفع منزلتِها وبُعدِ رتبتِها، وإما للإشعار بأنها تلك الجنةَ التي وُعدوها في الدنيا { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الأعمال الصالحةِ أي أُعطيتموها بسبب أعمالِكم أو بمقابلة أعمالِكم والجملةُ حال من الجنة والعاملُ معنى الإشارةِ على أن (تلكم الجنةُ) مبتدأٌ وخبرٌ، أو الجنةُ صفةٌ والخبرُ أورثتموها.