الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ قَالَ } أي الله عز وجل يوم القيامة بالذات أو بواسطة الملك { ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم } أي كائنين من جملة أممٍ مصاحبـين لهم { مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } يعني كفارَ الأمم الماضيةِ من النوعين { فِى ٱلنَّارِ } متعلقٌ بقوله: { أَدْخِلُواْ } { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } من الأمم السابقةِ واللاحقةِ فيها { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } التي ضللت بالاقتداء بها { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا } أي تداركوا وتلاحقوا في النار { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } دخولاً أو منزلةً وهو الأتباعُ { لأُِولَـٰهُمْ } أي لأجلهم إذِ الخطابُ مع الله تعالى لا معهم { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا } سنّوا لنا الضلالَ فاقتدَيْنا بهم { فَآتِهِم عَذَاباً ضِعْفاً } أي مضاعفاً { مِنَ ٱلنَّارِ } لأنهم ضلّوا وأضلوا { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } أما القادةُ فلِما ذُكر من الضلال والإضلالِ، وأما الأتباعُ فلكفرهم وتقليدِهم { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } أي مالَكم وما لِكُلّ فريقٍ من العذاب وقرىء بالياء { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ } أي مخاطِبـين { لأُخْرَاهُمْ } حين سمعوا جوابَ الله تعالى لهم { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } أي فقد ثبت أن لا فضلَ لكم علينا وإنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاقِ العذاب { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي العذابَ المعهودَ المضاعفَ { بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } من قول القادة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } مع وضوحها { وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا } أي عن الإيمان بها والعملِ بمقتضاها { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } أي لا تُقبل أدعيتُهم ولا أعمالُهم أو لا تعْرُج إليها أرواحُهم كما هو شأنُ أدعيةِ المؤمنين وأعمالِهم وأرواحِهم والتاء في (تُفتّح) لتأنيث الأبواب على أن الفعلَ للآيات، وبالياء على أنه لله تعالى { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ } أي حتى يدخُلَ ما هو مثلُه في عِظَم الجِرْم فيما هو عَلمٌ في ضيق المسلَك وهو ثُقبةُ الإبرة، وفي كون الجملِ مما ليس من شأنه الولوجُ في سمِّ الإبرة مبالغةٌ في الاستبعاد. وقرىء الجُمّل كالقمّل والجُمَل كالنُغَر والجُمل كالقُفل والجَمَل كالنصَب والجَمْل كالحبل وهي الحبلُ الغليظ من القنب وقيل: حبلُ السفينة، وسُمّ بالضم والكسر وقرىء في سَمّ المَخيط وهو الخِياط أي ما يُخاط به كالحِزام والمحزم { وَكَذٰلِكَ } أي ومثلَ ذلك الجزاءِ الفظيع { نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } أي جنسَ المجرمين وهم داخلون في زُمرتهم دخولاً أولياً.