الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ فَرِيقًا هَدَىٰ } بأن وفقهم للإيمان { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } بمقتضى القضاءِ السابقِ التابعِ للمشيئة المبنيةِ على الحِكَم البالغةِ، وانتصابُه بفعل مُضمرٍ يفسِّره ما بعده أي وخذل فريقاً { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱللَّهِ } تعليلٌ لخِذلانه أو تحقيقٌ لضلالتهم { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } فيه دِلالةٌ على أن الكافرَ المُخطِىءَ والمعانِدَ سواءٌ في استحقاق الذمِّ وللفارق أن يحمِلَه على المقصِّر في النظر.

{ يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ } أي ثيابَكم لمواراة عورتِكم { عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } أي طوافٍ أو صلاةٍ، ومن السنة أن يأخذ الرجلُ أحسنَ هيئتِه للصلاة وفيه دليل على وجوب سترِ العورة في الصلاة { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } مما طاب لكم. روي أن بني عامرٍ كانوا في أيام حجِّهم لا يأكلون الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً يعظِّمون بذلك حجهم فهمّ المسلمون بمثله فنزلت { وَلاَ تُسْرِفُواْ } بتحريم الحلالِ أو بالتعدّي إلى الحرام أو بالإفراط في الطعامِ والشّرَه عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كُلْ ما شئت والبَسْ ما شئت ما أخطأتْك خصلتانِ: سَرَفٌ ومَخِيلة. وقال علي بن الحسين بن واقد: (جمع الله الطبَّ في نصف آية) فقال: { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ } { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي لا يرتضي فعلَهم.

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } من الثياب وما يُتجمَّل به { ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } من النبات كالقُطن والكتّان، والحيوانِ كالحرير والصوفِ، والمعادن كالدروع { وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ } أي المستلذاتِ من المآكل والمشارب، وفيه دليلٌ على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواعِ التجمُّلات الإباحةُ، لأن الاستفهامَ في مَنْ إنكاريٌّ { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بالأصالة، والكفرةُ وإن شاركوهم فيها فبِالتَّبع { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لا يشاركهم فيها غيرُهم وانتصابُه على الحالية، وقرىء بالرفع على أنه خبرٌ بعد خبر { كَذَلِكَ نُفَصِلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي مثلَ هذا التفصيلِ نفصِّلُ سائرَ الأحكامِ لقوم يعلمون ما في تضاعيفها من المعاني الرائقة.

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ } أي ما تفاحش قبحُه من الذنوب، وقيل: ما يتعلق منها بالفروج { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } بدلٌ من الفواحش أي جهرَها وسرَّها { وَٱلإِثْمَ } أي ما يوجب الإثمَ وهو تعميمٌ بعد تخصيص، وقيل: هو شربُ الخمر { وَٱلْبَغْيَ } أي الظلم أو الكِبْر أُفرد بالذكر للمبالغة في الزجر عنه { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } متعلق بالبغي مؤكدٌ له معنى { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } تهكّمٌ بالمشركين وتنبـيهٌ على تحريم اتباعِ ما لا يدل عليه برهان { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بالإلحاد في صفاته والافتراء عليه كقولهم:وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [الأعراف، الآية 28] وتوجيهُ التحريم إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون وقوعَه لا ما يعلمون عدمَ وقوعِه قد مر سرُّه.