الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }

{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } جملةٌ مبتدأة لا محل لها من الإعراب، وقد جُوّز عطفُها على الصلة، والفاحشةُ الفَعلةُ المتناهيةُ في القبح، والتاء لأنها مُجراةٌ على الموصوف المؤنث أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية، والمرادُ بها عبادةُ الأصنامِ وكشفُ العورة في الطواف ونحوُهما.

{ قَالُواْ } جواباً للناهين عنها { وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } محتجين بأمرين: تقليدِ الآباءِ والافتراءِ على الله سبحانه، ولعل تقديمَ المقدم للإيذان منهم بأن آباءَهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها على أن ضمير (أمرنا) لهم ولآبائهم، فحينئذ يظهر وجهُ الإعراض عن الأول في رد مقالتِهم بقوله تعالى: { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } فإن عادتَه تعالى جاريةٌ على الأمر بمحاسن الأعمالِ والحثِّ على مراضي الخِصال، ولا دِلالةَ فيه على أن قبحَ الفعلِ ـ بمعنى ترتبِ الذم عليه عاجلاً والعقابِ آجلاً ـ عقلي فإن المرادَ بالفاحشة ما ينفِر عنه الطبعُ السليم ويستنقِصُه العقلُ المستقيم، وقيل: هما جوابا سؤالين مترتبـين كأنه قيل لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءَنا، فقيل: لمَ فعلها آباؤُكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها، وعلى الوجهين يُمنع التقليدُ إذا قام الدليلُ بخلافه لا مطلقاً { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من تمام القولِ المأمورِ به، والهمزةُ لإنكار الواقعِ واستقباحِه وتوجيهُ الإنكارِ والتوبـيخِ إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدورَه عنه تعالى ـ مع أن بعضَهم يعلمون عدمَ صدورِه عنه تعالى ـ مبالغةٌ في إنكار تلك الصورةِ فإن إسنادَ ما لم يُعلم عنه تعالى إليه تعالى إذا كان مُنكراً فإسنادُ ما عُلم عدمُ صدورِه عنه إليه عز وجل أشدُّ قبحاً وأحقُّ بالإنكار.

{ قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ } بـيانٌ للمأمور به إثرَ نفي ما أُسند أمرُه إليه تعالى من الأمور المنهيِّ عنها، والقسطُ العدلُ وهو الوسَطُ من كل شيء، المتجافي عن طرفي الإفراطِ والتفريط.

{ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } وتوجهوا إلى عبادته مستقيمين غيرَ عادلين إلى غيرها، أو أقيموا وجوهَكم نحو القِبلة { عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } في كل وقت سجودٍ أو مكانِ سجودٍ وهو الصلاةُ أو في أي مسجدٍ حضَرتْكم الصلاةُ وعنده ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم { وَٱدْعُوهُ } واعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي الطاعةَ فإن مصيرَكم إليه بالآخرة { كَمَا بَدَأَكُمْ } أي أنشأكم ابتداءً { تَعُودُونَ } إليه بإعادته فيجازيكم على أعمالكم وإنما شُبه الإعادةُ بالإبداء تقريراً لإمكانها والقدرةِ عليها، وقيل: كما بدأكم من التراب تعودون إليه، وقيل: حفاةً عراة غُرْلاً تعودون إليه وقيل: كما بدأكم مؤمناً وكافراً يعيدكم.