الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

{ وَإِذَا قُرِىء ٱلْقُرْءانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } إرشادٌ إلى طريق الفوز بما أشير إليه من المنافع الجليلةِ التي ينطوي عليها القرآن، أي وإذا قرىء القرآنُ الذي ذُكرت شؤونُه العظيمةُ فاستمعوا له استماعَ تحقيقٍ وقَبول { وَأَنصِتُواْ } أي واسكُتوا في خلال القراءةِ وراعوها إلى انقضائها تعظيماً له وتكميلاً للاستماع { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي تفوزون بالرحمة التي هي أقصى ثمراتِه. وظاهرُ النظم الكريمِ يقتضي وجوبَ الاستماعِ والإنصاتِ عند قراءةِ القرآن في الصلاة وغيرِها وقيل: معناه إذا تلا عليكم الرسولُ القرآنَ عند نزولِه فاستمعوا له وجمهورُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أنه في استماع المؤتمِّ، وقد روي أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فأُمروا باستماع قراءةِ الإمامِ والإنصاتِ له. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبـي صلى الله عليه وسلم قرأ في المكتوبة وقرأ أصحابُه خلفه فنزلت وأما خارج الصلاة فعامةُ العلماءِ على استحبابهما والآيةُ إما من تمام القولِ المأمورِ به أو استئنافٌ من جهته تعالى.

{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } على الأول عطفٌ على قل وعلى الثاني فيه تجريد للخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عام في الأذكار كافةً فإن الإخفاءَ أدخلُ في الإخلاص وأقربُ من الإجابة { تَضَرُّعًا وَخِيفَةً } أي متضرعاً وخائفاً { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي ومتكلماً كلاماً دون الجهر فإنه أقرب إلى حسن التفكر { بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ } متعلقٌ باذكر أي اذكره في وقت الغُدوات والعشيات وقرىء والإيصال وهو مصدر آصَلَ أي دخل في الآصيل موافقٌ للغدو { وَلاَ تَكُنْ مّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } عن ذكر الله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ } وهم الملائكةُ عليهم السلام ومعنى كونِهم عنده سبحانه وتعالى قربُهم من رحمته وفضلِه لتوفرهم على طاعته تعالى { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } بل يؤدونها حسبما أمروا به { وَيُسَبّحُونَهُ } أي ينزّهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } أي يخُصّونه بغاية العبوديةِ والتذللِ لا يشركون به شيئاً وهو تعريضٌ بسائر المكلفين ولذلك شُرع السجود عند قراءته. عن النبـي صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابنُ آدمَ آيةَ السجدة فسجد اعتزل الشيطانُ يبكي فيقول: يا ويله أُمر هذا بالسجود فسجد فله الجنةُ، وأُمرت بالسجود فعصَيت فلي النار " وعنه عليه الصلاة والسلام: " من قرأ سورةَ الأعرافِ جعل الله تعالى يوم القيامة بـينه وبـين إبليسَ ستراً وكان آدمُ عليه السلام شفيعاً له يوم القيامة "