الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ }

{ قَالَ } استئنافٌ كما سلف، والفاء في قوله تعالى: { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } لترتيب الأمرِ على ما ظهر من اللعين من مخالفة الأمرِ وتعليلِه بالأباطيل وإصرارِه على ذلك، أي فاهبِطْ من الجنة، والإضمار قبل ذكرِها لشهرة كونِه من سكانها قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا في عدْنٍ لا في جنة الخلد، وقيل: من زمرة الملائكةِ المعزّزين فإن الخروجَ من زمرتهم هبوطٌ وأيُّ هبوط، وفي سورة الحجر: { فَٱخْرُجْ مِنْهَا } وأما ما قيل من أن المرادَ الهبوطُ من السماء فيردّه أن وسوستَه لآدمَ عليه السلام كانت بعد هذا الطردِ فلا بد أن يُحمل على أحد الوجهين قطعاً، وتكونُ وسوستُه على الوجه الأول بطريق النداءِ من باب الجنة كما رُوي عن الحسن البصري، وقوله تعالى: { فَمَا يَكُونُ لَكَ } أي فما يصح ولا يستقيم لك ولا يليقُ بشأنك { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } أي في الجنة أو في زمرة الملائكة. تعليلٌ للأمر بالهبوط فإن عدمَ صحةِ أن يتكبر فيها علةٌ للأمر المذكور، فإنها مكانُ المطيعين الخاشعين ولا دِلالة فيه على جواز التكبُّر في غيرها، وفيه تنبـيه على أن التكبرَ لا يليق بأهل الجنةِ وأنه تعالى إنما طرده لتكبُّره لا لمجرد عصيانِه وقوله تعالى: { فَٱخْرُجْ } تأكيدٌ للأمر بالهبوط متفرِّغٌ على علته وقوله تعالى: { إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } تعليلٌ للأمر بالخروج مُشعرٌ بأنه لتكبره، أي من الأذلاء وأهلِ الهوانِ على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبُّرك. وعن عمر رضي الله عنه (من تواضَع لله رفع الله حكمتَه وقال: انتعش أنعشك الله، ومن تكبر وعَدا طَوْرَه وهَصَه الله إلى الأرض).

{ قَالَ } استئنافٌ كما مر مبنيٌّ على سؤال نشأ مما قبله، كأنه قيل: فماذا قال اللعينُ بعد ما سمع هذا الطردَ المؤكد؟ فقيل: قال: { أَنظِرْنِى } أي أمهلني ولا تُمِتْني { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي آدمُ وذرّيتُه للجزاء بعد فنائِهم، وهو وقتُ النفخةِ الثانية، وأراد اللعينُ بذلك أن يجد فُسحةً لإغوائهم ويأخُذَ منهم ثأرَه وينجُوَ من الموت لاستحالته بعد البعث { قَالَ } استئنافٌ كما سلف { إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } ورودُ الجوابِ بالجملة الاسميةِ مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يُشعر بأن السائلَ تبَعٌ لهم في ذلك صريحٌ في أنه إخبارٌ بالإنظار المقدرِ لهم أزلاً لا إنشاءٌ لإنظار خاصَ به إجابةً لدعائه وأن استنظارَه كان طلباً لتأخير الموتِ إذ به يتحقق كونُه من جملتهم لا لتأخير العقوبةِ كما قيل أي إنك من جملة الذين أخّرتُ آجالَهم أزلاً حسبما تقتضيه الحِكمةُ التكوينيةُ إلى وقت فناءٍ غيرَ ما استثناه الله تعالى من الخلائق وهو النفخةُ الأولى لا إلى وقت البعثِ الذي هو المسؤول، وقد تُرك التوقيتُ للإيجاز ثقةً بما وقع في سورة الحجر وسورة ص كما ترك ذكرُ النداء والفاءُ في الاستنظار والإنظار تعويلاً على ما ذُكر فيهما بقوله عز وجل:

السابقالتالي
2 3