الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

{ فَلَمَّا رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } أي مبتدئاً في الطلوعِ إثرَ غروبِ الكوكب { قَالَ هَـٰذَا رَبّى } على الأسلوب السابق { فَلَمَّا أَفَلَ } كما أفل النجم { قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى } إلى جَنابه الذي هو الحقُّ الذي لا محيدَ عنه { لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالّينَ } فإن شيئاً مما رأيته لا يليق بالربوبـية، وهذا مبالغةٌ منه عليه السلام في إظهار النَّصَفة، ولعله عليه السلام كان إذ ذاك في موضعٍ كان في جانبه الغربـيِّ جبلٌ شامخ يستتر به الكوكب والقمر وقت الظهر من النهار أو بعده بقليل، وكان الكوكب قريباً منه وأُفقُه الشرقيُّ مكشوفٌ أولاً وإلا فطلوعُ القمر بعد أفولِ الكوكب ثم أفولُه قبل طلوع الشمس كما ينبىء عنه قوله تعالى: { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً } أي مبتدئةً في الطلوع مما لا يكاد يُتصور { قَالَ } أي على النهج السابق { هَـٰذَا رَبّى } وإنما لم يؤنِّثْ لما أن المشارَ إليه والمحكومَ عليه بالربوبـية هو الجِرمُ المشاهَدُ من حيث هو لا من حيث هو مسمّىً باسم من الأسامي فضلاً عن حيثيةِ تسميتِه بالشمس، أو لتذكير الخبر وصيانةِ الربِّ عن وَصْمة التأنيث، وقوله تعالى: { هَـٰذَا أَكْبَرُ } تأكيدٌ لما رامه عليه السلام من إظهار النَّصَفة مع إشارةٍ خفيةٍ إلى فساد دينهم من جهة أخرى، ببـيان أن الأكبرَ أحقُّ بالربوبـية من الأصغر { فَلَمَّا أَفَلَتْ } هي أيضاً كما أفل الكوكبُ والقمرُ { قَالَ } مخاطباً للكلِّ صادِعاً بالحق بـين أظهُرِهم { قَالَ يٰقَوْمِ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ } أي من الذي تشركونه من الأجرام المُحْدَثةِ المتغيرةِ من حالة إلى أخرى المسخَّرة لمحدِثها، أو من إشراككم، وترتيبُ هذا الحكمِ ونظيرَيْه على الأفول دون البزوغِ والظهور من ضروريات سَوْق الاحتجاجِ على هذا المَساق الحكيم، فإن كلاًّ منهما وإن كان في نفسه انتقالاً منافياً لاستحقاق معروضِه للربوبـية قطعاً، لكن لما كان الأولُ حالةً موجبةً لظهور الآثارِ والأحكامِ ملائمةً لتوهُّم الاستحقاقِ في الجملة رُتِّب عليها الحكمُ الأول على الطريقة المذكورة، وحيث كان الثاني حالة مقتضِيةً لانطماس الآثار وبطلان الأحكام المنافية للاستحقاق المذكور منافاةً بـيّنةً يكاد يعترف بها كلُّ مكابرٍ عنيدٍ رُتّب عليها ما رتب، ثم لما تبرأ عليه السلام منهم توجَّه إلى مبدعِ هذي المصنوعات ومُنشئها.