الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } منصوبٌ على الظرفية بمُضمر مؤخَّرٍ قد حُذف إيذاناً بضيق العبارة عن شرحه وبـيانه، وإيماءً إلى عدم استطاعة السامعين لسماعِه لكمال فظاعةِ ما يقع فيه من الطامة والداهية التامة، كأنه قيل: ويوم نحشرهم جميعاً { ثُمَّ نَقُولُ } لهم ما نقول كانَ من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرةُ المقال، وتقديرُ صيغةِ الماضي للدَلالة على التحقّق ولحُسنِ موقَعِ عطفِ قوله تعالى:ثُمَّ لَمْ تَكُنْ } [الأنعام، الآية 23] الخ عليه، وقيل: منصوب على المفعولية بمضمر مقدّم، أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم الخ، وقيل: وليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم الخ، والضمير للكل، وجميعاً حال منه وقرىء (يَحشرُهم جميعاً ثم يقول) بالياء فيهما { لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي نقول لهم خاصة للتوبـيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ } أي آلهتُكم التي جعلتموها شركاءَ لله سبحانه، وإضافتُها إليهم لما أن شِرْكتَها ليست إلا بتسميتهم وتقوُّلهم الكاذب كما ينبىء عنه قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أي تزعُمونها شركاءَ، فحُذِف المفعولان معاً، وهذا السؤالُ المُنبِىءُ عن غَيْبة الشركاءِ مع عموم الحشر لها لقوله تعالى:ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوٰجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الصافات، الآية 22] وغيرِ ذلك من النصوص إنما يقع بعد ما جرى بـينها وبـينهم من التبرُّؤ من الجانبـين، وتقطَّع ما بـينهم من الأسباب والعلائقِ حسبما يحكيه من قوله تعالى:فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس، الآية 28] الخ، ونحوُ ذلك من الآيات الكريمة، إما بعدم حضورِها حينئذٍ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدمِ حضورها بعُنوان الشِرْكة والشفاعة منزلةَ عدم حضورها في الحقيقة، إذ ليس السؤالُ عنها من حيث ذواتُها، بل إنما هو من حيث إنها شركاءُ كما يُعرب عنه الوصفُ بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصفِ يوجب عدمَ الموصوف من حيث هو موصوف، فهي من حيث هي شركاءُ غائبةٌ لا محالة وإن كانت حاضرةً من حيث ذواتُها أصناماً كانت أو غيرها، وأما ما يقال من أنه يُحال بـينها وبـينهم في وقت التوبـيخ ليفقِدوهم في الساعة التي علّقوا بها الرجاءَ فيها فيرَوْا مكان خِزْيهم وحسرتِهم فربما يُشعِر بعدم شعورِهم بحقيقة الحال وعدمِ انقطاع حبالِ رجائهم عنها بعدُ. وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك، وانصرمت عُروةُ أطماعهم عنها بالكلية، على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاءِ بالعذاب في البرزخ، وإنما الذي يحصُل يوم الحشر الانكشافُ الجليُّ واليقين القويُّ، المترتبُ على المحاضَرة والمحاوَرة.