الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى } أُعيد الأمرُ لِما أن المأثورَ به متعلِّقٌ بفروع الشرائعِ وما سبق بأصولها، أي عبادتي كلَّها وقيل: وذبحي، جُمع بـينه وبـين الصلاة كما في قوله تعالى:فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } [الكوثر، الآية 2] وقيل: صلاتي وحجّي { وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى } أي وما أنا عليه في حياتي وما أكونُ عليه عند موتي من الإيمان والطاعةِ أو طاعات الحياةِ والخيراتِ المضافة إلى الممات كالوصية والتدبـير، وقرىء محيايْ بسكون الياء إجراءً للوصل مُجرى الوقفِ { للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } { لاَ شَرِيكَ لَهُ } خالصةً له لا أُشرِك فيها غيرَه { وَبِذٰلِكَ } إشارةٌ إلى الإخلاص، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعلو رتبتِه وبُعدِ منزلتِه في الفضل أي بذلك الإخلاصِ { أُمِرْتُ } لا بشيء غيرِه وقوله تعالى: { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } لبـيان مسارعتِه عليه السلام إلى الامتثال بما أُمر به وأن ما أُمر به ليس من خصائصه عليه السلام بل الكلُّ مأمورون به ويقتدي به عليه السلام مَنْ أسلم منهم.

{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِى رَبّا } آخرَ فأُشرِكَه في العبادة { وَهُوَ رَبُّ كُلّ شَىْء } جملةٌ حالية مؤكدةٌ للإنكار أي والحالُ أن كل ما سواه مربوبٌ له مثلي فكيف يُتصوّر أن يكون شريكاً له في المعبودية { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } كانوا يقولون للمسلمين: اتبعوا سبـيلَنا ولنحمِلْ خطاياكم إما بمعنى لِيُكْتَبْ علينا ما عمِلتم من الخطايا لا عليكم وإما بمعنى لنحمِلْ يوم القيامة ما كُتب عليكم من الخطايا فهذا ردٌّ له بالمعنى الأول، أي لا تكونُ جنايةُ نفسٍ من النفوس إلا عليها ومُحالٌ أن يكون صدورُها عن شخص وقرارُها على شخص آخرَ حتى يتأتىٰ ما ذكرتم وقولُه تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } ردٌّ له بالمعنى الثاني أي لا تحمِلُ يومئذ نفسٌ حاملةٌ حِمْلَ نفسٍ أخرى حتى يصِحّ قولُكم { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى الكل لتأكيد الوعدِ وتشديدِ الوعيد إلى مالك أمورِكم ورجوعِكم يوم القيامة { فَيُنَبّئُكُمْ } يومئذ { بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ببـيان الرُّشدِ من الغيِّ وتميـيزِ الحق من الباطل.