الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

{ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ } على البناء للمفعول أي العذاب، وقرىء على البناء للفاعل والضمير لله سبحانه، وقد قرىء بالإظهار، والمفعول محذوف وقوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ } ظرف للصرف، أي في ذلك اليوم العظيم، وقد جوز أن يكون هو المفعول على قراءة البناء للفاعل بحذف المضاف أي عذاب يومئذ { فَقَدْ رَحِمَهُ } أي نجاه وأنعم عليه وقيل: فقد أدخله الجنة كما في قوله تعالى:فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [آل عمران، الآية 185] والجملة مستأنفةٌ مؤكِّدةٌ لتهويل العذاب، وضميرُ عنه ورَحمه (لمن)، وهو عبارة عن غير العاصي { وَذَلِكَ } إشارة إلى الصرف أو الرحمة، لأنها مؤوّلة بأن مع الفعل وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجته، وبعد مكانه في الفضل، وهو مبتدأ خبرُه قوله تعالى: { ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي الظاهرُ كونُه فوزاً وهو الظَفَر بالبُغية، والألف واللام لقصره على ذلك.

{ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } أي ببليةٍ كمرَض وفقر ونحو ذلك { فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ } أي فلا قادرَ على كشفه عنك { إِلاَّ هُوَ } وحده { وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ } من صِحةٍ ونعمةٍ ونحو ذلك { فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ } ومن جملته ذلك، فيقدِرُ عليه فيمسَسْك به ويحفَظْه عليك من غير أن يقدِرَ علي دفعه، أو على رفعه أحدٌ، كقوله تعالى:فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } [يونس، الآية 107] وحملُه على تأكيد الجوابـين يأباه الفاء.

روي " عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أُهدي للنبـي صلى الله عليه وسلم بغلةٌ أهداها له كسرى، فركِبها بحبْل من شعر ثم أردفني خلفه ثم سار بـي ميلاً، ثم التفت إلي فقال: «يا غلام» فقلت: لبـيك يا رسول الله. فقال: " أحفَظِ الله يحفَظْك، احفظ الله تجدْه أمامك، تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرِفْك في الشدة، وإذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعنْ بالله، فقد مضىٰ القلمُ بما هو كائن، فلو جَهَدَ الخلائقُ أن ينفعوك بما لم يقضِه الله لك لم يقدِروا عليه، ولو جَهَدوا أن يضروك بما لم يكتُبِ الله عليك ما قدَروا عليه، فإن استطعتَ أن تعملَ بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطِعْ فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع الكرْب فرَجاً، وأن مع العسر يسراً " "

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } تصويرٌ لقهره وعلوِّه بالغَلَبة والقُدرة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في كل ما يفعله ويأمر به { ٱلْخَبِيرُ } بأحوال عبادِه وخفايا أمورِهم، واللام في المواضع الثلاثة للقصر.

{ قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } روي (أن قريشاً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد لقد سألنا عنك اليهودَ والنصارى فزعموا أنْ ليس عندهم ذكرٌ ولا صفةٌ فأرِنا من يشهد لك أنك رسولُ الله فنزلت).

السابقالتالي
2