الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي } إشارةٌ إلى ما ذكر في الآيتين من الأمر والنهي، قاله مقاتل وقيل: إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيدِ والنبوة وبـيانِ الشريعة، وقرىء صراطيَ بفتح الياء، ومعنى إضافتِه إلى ضميره عليه الصلاة والسلام انتسابُه إليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوكُ لا من حيث الوضعُ كما في صراط الله، والمرادُ بـيانُ أن ما فُصِّل من الأوامر والنواهي غيرُ مختصةٍ بالمتلو عليهم بل متعلقةٌ به عليه الصلاة والسلام أيضاً وأنه صلى الله عليه وسلم مستمرٌّ على العمل بها ومراعاتِها وقوله تعالى: { مُّسْتَقِيماً } حالٌ مؤكدةٌ، ومحل أن مع ما في حيزها الجرُّ بحذف لام العلة أي ولأن هذا صراطي أي مسلكي مستقيماً { فَٱتَّبَعُوهُ } كقوله تعالى:وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن، الآية 18] وتعليلُ إتباعِه بكونه صراطَه عليه الصلاة والسلام لا بكونه صراطَ الله تعالى ـ مع أنه في نفسه كذلك من حيث سلوكُه صلى الله عليه وسلم ـ فيه داعٍ للخلق إلى الاتّباع إذ بذلك يتضح عندهم كونُه صراطَ الله عز وجل، وقرىء بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرىء أنْ هذا مخففةً من أنّ، على أن اسمَها الذي هو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ وقرىء صراطي وقرىء هذا صراطي وقرىء وهذا صراطُ ربِّكم وهذا صراطُ ربِّك { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } الأديانَ المختلفةَ أو طرقَ البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ } بحذف إحدى التاءين، والباء للتعدية أي فتفرِّقَكم حسَبَ تفرُّقِها أياديَ سبا فهو كما ترى أبلغُ من تفرقكم كما قيل من أن ذهَبَ به ـ لما فيه من الدلالة على الاستصحاب ـ أبلغُ من أذهبه { عَن سَبِيلِهِ } أي سبـيل الله الذي لا عِوَجَ فيه ولا حرج، وهو دين الإسلام الذي ذُكر بعضُ أحكامه وقيل: هو اتباعُ الوحي واقتفاءُ البرهان، وفيه تنبـيهٌ على أن صراطَه عليه الصلاة والسلام عينُ سبـيل الله تعالى { ذٰلِكُمْ } إشارةٌ إلى ما مر من اتباع سبـيلِه تعالى وتركِ اتباعِ سائر السبل { وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } اتباعَ سبُلِ الكفر والضلالة.

{ ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } كلامٌ مسوقٌ من جهته تعالى تقريراً للوصية وتحقيقاً لها وتمهيداً لما يعقُبه من ذكر القرآنِ المجيد كما ينبىء عنه تغيـيرُ الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوفٌ على مقدر يقتضيه المقامُ ويستدعيه النظامُ كأنه قيل بعد قوله تعالى:ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } [الأنعام، الآية 151 و152 و153] بطريق الاستئنافِ تصديقاً له وتقريراً لمضمونه: فعلنا ذلك ثم آتينا الخ، كما أن قوله تعالى:وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [الأعراف، الآية 100] معطوف على ما يدل عليه معنىأَوَ لَمْ يَهْدِ } [الأعراف، الآية 100] الخ، كأنه قيل: يغفُلون عن الهداية ونطبع الخ، وأما عطفُه على ذلكم وصاكم به ونظمُه معه في سلك الكلامِ الملقّن كما أجمع عليه الجمهورُ فمما لا يليق بجزالة النظمِ الكريم فتدبر.

السابقالتالي
2