الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } توجيهُ النهي إلى قُربانه من المبالغة في النهي عن أكله ولإخراج القُربان النافعِ عن حكم النهي بطرق الاستثناءِ، أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه { إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } إلا بالخَصلة التي هي أحسنُ ما يكون من الحِفظ والتثميرِ ونحو ذلك، والخطابُ للأولياء والأوصياء لقوله تعالى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } فإنه غايةٌ لما يُفهم من الاستثناء لا للنهي كأنه قيل: احفظوه حتى يصيرَ بالغاً رشيداً فحينئذ سلّموه إليه كما في قوله تعالى:فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء، الآية 6] والأشُدُّ جمع شِدّة كنعمة وأنعم أو شَدّ ككلب وأكلُب أو شد كصر وآصر وقيل: هو مفرد كآنُك { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل والتسوية { لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إلا ما يسعُها ولا يعسُر عليها، وهو اعتراضٌ جيء به عَقيبَ الأمرِ بالأمر للإيذان بأن مراعاةَ العدلِ كما هو عسيرٌ كأنه قيل: عليكم بما في وسعكم وما وراءه معفوٌّ عنكم { وَإِذَا قُلْتُمْ } قولاً في حكومة أو شهادة أو نحوِهما { فَٱعْدِلُواْ } فيه { وَلَوْ كَانَ } أي المقولُ له أو عليه { ذَا قُرْبَىٰ } أي ذا قرابةٍ منكم ولا تميلوا نحوهم أصلاً وقد مر تحقيق معنى لو في مثل هذا الموضعِ مراراً { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } أي ما عَهد إليكم من الأمور المعدودةِ، أو أيِّ عهدٍ كان فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً أو ما عاهدتم الله عليه من الإيمان والنذور، وتقديمُه للاعتناء بشأنه { ذٰلِكُمْ } إشارةٌ إلى ما فُصِّل من التكاليف، ومعنى البُعد لما ذكر فيما قبل { وَصَّـٰكُمْ بِهِ } أمركم به أمراً مؤكداً { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } تتذكرون ما في تضاعيفه وتعملون بمقتضاه، وقرىء بتشديد الذالِ وهذه أحكامٌ عشَرةٌ لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصارِ.

عن ابن عباس رضي الله عنهما (هذه آياتٌ محكماتٌ لم ينسَخْهن شيء من جميع الكتُب وهن محرماتٌ على بني آدم كلِّهم وهن أمُّ الكتابِ، من عمِل بهن دخلَ الجنة ومن تركهن دخلَ النار). وعن كعب الأحبارِ والذي نفسُ كعبٍ بـيده إن هذه الآياتِ لأولُ شيءٍ في التوراة بسم الله الرحمٰن الرحيم قل: تعالَوا الآيات...