الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ } خاصة لا على مَنْ عداهم من الأولين والآخِرين { حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } أي كلَّ ما له أصبَعٌ من الإبل والسباعِ والطيورِ وقيل: كلَّ ذي مِخْلبٍ وحافرٍ، وسُمِّيَ الحافرُ ظفُراً مجازاً والمسبَّبُ عن الظلم هو تعميمُ التحريمِ حيث كان بعضُ ذواتِ الظفرِ حلالاً لهم فلما ظلموا عم التحريمُ كلَّها وهذا تحقيقٌ لما سلف من حصر المحرَّماتِ فيما فُصِّل بإبطال ما يخالِفُه من فرية اليهودِ وتكذيبِهم في ذلك فإنهم كانوا يقولون: لسنا أولَ من حرُمت عليه وإنما كانت محرمةً على نوح وإبراهيمَ ومَنْ بعدَهما حتى انتهى الأمر إلينا.

{ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } لا لحومَهما فإنها باقيةٌ على الحل، والشحومُ الثروبُ وشحومُ الكِلىٰ والإضافةُ لزيادة الربطِ { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } استئناءٌ من الشحوم مُخرِّج لما علِق من الشحم بظهورهما عن حكم التحريم.

{ أَوِ ٱلْحَوَايَا } عطفٌ على ظهورهما أي ما حملته الحوايا وهي جمعُ حاوية أو حاوِياء كقاصِعاء وقواصِعَ أو حَواية كسفينة وسفائن { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } عطف على ما حمَلَتْ وهو شحمُ الأَلْيةِ واختلاطُه بالعظم اتصالُه بعَجْب الذنب، وقيل: هو كلُّ شحمٍ متصلٍ بالعظم من الأضلاع وغيرِها { ذٰلِكَ } إشارة إلى الجزاء أو التحريم، فهو على الأول نُصب على أنه مصدرٌ مؤكدٌ لما بعده وعلى الثاني على أنه مفعولٌ ثانٍ له أي ذلك التحريمُ { جَزَيْنَـٰهُم بِبَغْيِهِمْ } بسبب ظلمِهم وهو قتلُهم الأنبـياءَ بغير حق وأكلُهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلُهم أموالَ الناس بالباطل، كقوله تعالى:فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [النساء، الآية 160] وكانوا كلما أتَوْا بمعصية عُوقبوا بتحريم شيءٍ مما أحل لهم وهم ينكرون ذلك ويدّعون أنها لم تزَلْ محرمةً على الأمم، فرُدَّ ذلك عليهم وأُكِّد بقوله تعالى: { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } أي في جميع أخبارِنا التي من جملتها هذا الخبرُ، ولقد ألقمهم الحجرَ قوله تعالى:كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران، الآية 93] روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك بُهتوا ولم يجسُروا أن يُخرِجوا التوراة، كيف وقد بُـيِّن فيها جميعُ ما يحذرون أوضحَ بـيان.