الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } * { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } * { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } أي ما يُعلن من الذنوب وما يُسَرّ أو ما يعمل منها بالجوارح وما بالقلب، وقيل: الزنا في الحوانيت واتخاذُ الأخذان { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإثْمَ } أي يكتسبونه من الظاهر والباطن { سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } كائناً ما كان فلا بد من اجتنابهما، والجملةُ تعليلٌ للأمر.

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ظاهرٌ في تحريم متروكِ التسميةِ عمْداً كان أو نسياناً، وإليه ذهب داودُ، وعن أحمدَ بنِ حنبل مثلُه، وقال مالك والشافعي بخلافه لقوله عليه السلام: " ذبـيحةُ المسلم حلالٌ وإن لم يذكر اسمَ الله عليها " وفرق أبو حنيفة بـين العمْد والنسيانِ وأوّله بالميتة أو بما ذكر عليه اسمُ غيرِه تعالى لقوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فإن الفسقَ ما أُهل به لغير الله والضميرُ لما، ويجوز أن يكون للأكل المدلولِ عليه بلا تأكلوا، والجملةُ مستأنفةٌ وقيل: حالية { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } المرادُ بالشياطين إبليسُ وجنودُه فإيحاؤهم وسوستُهم إلى المشركين، وقيل: مرَدةُ المجوسِ فإيحاؤهم إلى أوليائهم ما أَنْهَوا إلى قريشٍ بالكتاب أن محمداً وأصحابَه يزعُمون أنهم يتبعون أمرَ الله ثم يزعُمون أن ما يقتلونه حلالٌ وما يقتله الله حرام { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } أي بالوساوس الشيطانيةِ أو بما نقل من أباطيلِ المجوسِ وهو يؤيد التأويلَ بالميتة { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في استحلالِ الحرامِ وساعدتموهم على أباطيلهم { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } ضرورةَ أن من ترك طاعةَ الله إلى طاعة غيرِه واتبعه في دينه فقد أشركه به تعالى، بل آثرَه عليه سبحانه.

{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا } وقرىء ميِّتاً على الأصل { فَأَحْيَيْنَـٰهُ } تمثيلٌ مَسوقٌ لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين إثرَ تحذيرِهم عنها بالإشارة إلى أنهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلٰهيِّ والمشركون خابطون في ظلمات الكفرِ والطغيانِ فكيف يُعقل إطاعتُهم لهم؟ والهمزةُ للإنكار والنفي، والواوُ لعطف الجملةِ الاسميةِ على مثلها الذي يدل عليه الكلامُ، أي أأنتم مثلُهم ومَنْ كان ميتاً فأعطيناه الحياةَ وما يتبعُها من القوى المُدْرِكة والمحرِّكة؟ { وَجَعَلْنَا لَهُ } مع ذلك من الخارج { نُوراً } عظيماً { يَمْشِي بِهِ } أي بسببه، والجملةُ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: فماذا يصنع بذلك النورِ؟ فقيل: يمشي به { فِى ٱلنَّاسِ } أي فيما بـينهم آمِناً من جهتهم أو صفةٌ له { كَمَن مَّثَلُهُ } أي صفتُه العجيبةُ وهو مبتدأ وقوله تعالى: { فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } خبرُه على أن المرادَ بهما اللفظُ لا المعنى كما في قولك: زيدٌ صفتُه اسمرُ، وهذه الجملةُ صلةٌ لمن وهي مجرورةٌ بالكاف وهي مع مجرورها خبرٌ لمن الأولى وقوله تعالى: { لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } حالٌ من المستكن في الظرف وقيل: من الموصول أي غيرُ خارجٍ منها بحال، وهذا كما ترى مثلٌ أريد به من بقي في الضلالة بحيث لا يفارقها أصلاً كما أن الأولَ مثَلٌ أريد به من خلقه الله تعالى على فطرة الإسلامِ وهداه بالآيات البـينةِ إلى طريق الحقِّ يسلُكه كيف يشاء لكن لا على أن يدل على كل واحدٍ من هذه المعاني بما يليق به من الألفاظ الواردةِ في المثَلين بواسطة تشبـيهِه بما يناسبه من معانيها، فإن ألفاظَ المثَلِ باقيةٌ في معانيها الأصلية، بل على أنه قد انتُزعت من الأمور المتعددةِ المعتبرةِ في كل واحدٍ من جانبـي المَثَلين هيئةٌ على حِدَة فشُبِّهت بهما الأُوليان ونُزّلتا منزلتيهما فاستُعمل فيهما ما يدل على الأُخْريـين بضرب من التجوّز، وقد أشير في تفسير قوله تعالى:

السابقالتالي
2