الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ وَنُقَلّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَـٰرَهُمْ } عطفٌ على لا يؤمنون داخلٌ في حكم ما يشعركم مقيدٌ بما قيد به أي وما يُشعرُكم أنا نقلّب أفئدتَهم عن إدراك الحقِّ فلا يفقهونه وأبصارَهم عن اجتلائه فلا يُبصرونه لكن لا مَعَ توجهها إليه واستعدادِها لقبوله بل لكمال نُبوِّها عنه وإعراضِها بالكلية ولذلك أخِّر ذكرُه عن ذكر عدمِ إيمانِهم إشعاراً بأصالتهم في الكفر وحسماً لتوهُّم أن عدم إيمانِهم ناشىءٌ من تقليبه تعالى مشاعرَهم بطريق الإجبار { كَمَا لَوْ يُؤْمِنُواْ بِهِ } أي بما جاء من الآيات { أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي عند ورودِ الآياتِ السابقةِ، والكافُ في محل النصبِ على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ منصوبٌ بلا يؤمنون وما مصدريةٌ أي لا يؤمنون بل يكفرون كفراً كائناً ككفرهم أولَ مرةٍ، وتوسيطُ تقليبِ الأفئدةِ والأبصارِ بـينهما لأنه من متمّمات عدمِ إيمانهم { وَنَذَرُهُمْ } عطفٌ على لا يؤمنون داخلٌ في حكم الاستفهامِ الإنكاريِّ مقيّدٌ بما قيد به مبـيِّنٌ لما هو المرادُ بتقليب الأفئدةِ والأبصار، ومعْرِبٌ عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره بأن يُقلِّب الله سبحانه مشاعِرَهم عن الحق مع توجههم إليه واستعدادِهم له بطريق الإجبارِ بل بأن يُخلِّيَهم وشأنَهم بعد ما عُلم فسادُ استعدادِهم وفرطُ نفورِهم عن الحق، وعدمُ تأثيرِ اللطفِ فيهم أصلاً، ويطبَعُ على قلوبهم حسبما يقتضيه استعدادُهم كما أشرنا إليه، وقوله تعالى: { فِي طُغْيَـٰنِهِمْ } متعلِّقٌ بنذرهم، وقوله تعالى: { يَعْمَهُونَ } حالٌ من الضمير المنصوبِ في نذرهم أي ندعُهم في طغيانهم متحيِّرين لا نهديهم هدايةَ المؤمنين، أو مفعولٌ ثانٍ لنذرُهم أي نصيِّرهم عامِهين وقرىء يُقلِّب ويَذَرُ بالياء على إسنادهما إلى ضمير الجلالةِ وقرىء تُقلَّبُ بالتاء والبناءِ للمفعول على إسناده إلى أفئدتهم.