الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

{ ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } تمثيلٌ لإحياءِ القلوبِ القاسيةِ بالذكرِ والتلاوةِ بإحياءِ الأرضِ الميتةِ بالغيثِ للترغيبِ في الخشوعِ والتحذيرِ عن القساوةِ { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَـٰتِ } التي من جُمْلتِها هذهِ الآياتُ { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } كي تعقلُوا ما فيهَا وتعملُوا بموجبِها فتفوزُوا بسعادةِ الدارينِ.

{ إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ } أي المتصدقينَ والمتصدقاتِ وقد قُرِىءَ كذلكَ، وقُرِىءَ بتخفيفِ الصادِ من التصديقِ، أي الذينَ صدقُوا الله ورسولَه { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } قيلَ: هُو عطفٌ على ما في المصدقينَ من مَعْنى الفعلِ فإنَّه في حُكمِ الذين اصدَّقُوا أو صَدَقُوا عَلى القراءتينِ وعُقبَ بأنَّ فيهِ فصلاً بـين أجزاءِ الصلةِ بأجنبـيَ وهو المُصدِّقاتِ وأُجيبَ بأنَّ المَعْنى أنَّ الناسَ الذينَ تصدَّقُوا وتصدَّقنَ وأقرضُوا فهو عطفٌ على الصلةِ من حيثُ المَعْنى من غيرِ فصلٍ، وقيلَ إنَّ المُصدِّقاتِ ليسَ بعطفٍ على المُصدِّقينِ بل هُو منصوبٌ على الاختصاصِ كأنه قيلَ إنَّ المصدقينَ على العموم تغليباً وأخصُّ المصدقاتِ من بـينهُم كما تقولُ إنَّ الذينَ آمنُوا ولا سيَّما العلماء منهُم وعملُوا الصالحاتِ لهم كَذا لكنْ لا على أنَّ مدارَ التخصيصِ مزيدُ استحقاقِهنَّ لمضاعفةِ الأجرِ كما في المثالِ المذكورِ بل زيادةُ احتياجهنَّ إلى التصدقِ الداعيةُ إلى الاعتناءِ بحثهنَّ على التصدقِ لما رُويَ أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: " يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقن فإنِّي أرُيتُكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ " ، وقيلَ: هو صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ معطوفٍ على المصدقينَ كأنَّه قيلَ والذينَ أقرضُوا. والقرضُ الحسنُ عبارةٌ عنِ التصدقِ من الطيبِ عن طيبةِ النفسِ وخلوصِ النيةِ على المستحقِّ للصدقةِ. { يُضَاعَفُ لَهُمُ } على البناءِ للمفعول مُسنداً إلى ما بعدَهُ من الجارِّ والمجرورِ، وقيلَ: إلى مصدرِ مَا في حيزِ الصِّلةِ على حذفِ مضافٍ أيْ ثوابُ التصدقِ. وقُرِىءَ على البناء للفاعل أي يُضاعِفُ الله تعالَى، وقُرِىءَ يُضعَّفُ بتشديدِ العينِ وفتحِها { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } مرَّ ما فيهِ من الكلامِ.

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } كافةً وقد مرَّ بـيانُ كيفيةِ الإيمانِ بهم في خاتمةِ سورةِ البقرةِ.

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى الموصولِ الذي هُو مبتدأٌ وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ مع قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ قد مرَّ سرُّه مراراً، وهو مبتدأٌ ثانٍ. وقولُه تعالَى: { هُمْ } مبتدأ ثالث خبره { ٱلصّدّيقُونَ وَٱلشُّهَدَاء } وهُو معَ خبرِه خبرٌ للثانِي وهو معَ خبره خبر للأول أو هم ضمير الفصل، وما بعده خبر لأولئك والجملة خبر للموصولِ أي أُولئكَ { عِندَ رَبّهِمْ } بمنزلة الصديقينَ والشهداءِ المشهورينَ بعلوِّ الرُّتبةِ ورفعةِ المحلِّ وهُم الذينَ سبقُوا إلى التصديقِ واستُشْهِدوا في سبـيلِ الله تعالى أو هم المبالغونَ في الصدقِ حيثُ آمنُوا وصدَّقُوا جميعَ أخبارهِ تعالَى ورسلِه والقائمونَ بالشهادةِ لله تعالى بالوحدانيةِ ولهم بالإيمانِ أو على الأممِ يومَ القيامةِ وقولُه تعالى: { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } بـيانٌ لثمراتِ ما وُصفُوا بهِ من نعوتِ الكمالِ على أنَّه جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ محلُّها الرفعُ على أنَّه خبرٌ ثانً للموصولِ أو الخبرُ هو الجارُّ وما بعدَهُ مرتفع بهِ على الفاعليةِ والضميرُ الأولُ على الوجهِ الأولِ للموصولِ والأخيرانِ للصديقينَ والشهداءُ أيْ لَهُم مثلُ أجرِهم ونورِهم المعروفينِ.

السابقالتالي
2