الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } شروع في بـيان ما يتدارك به الاعتداءُ من الأحكام إثر بـيانِ ما يلحقه من العذاب، والتصريح بالنهي في قوله تعالى: { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } مع كونه معلوماً لا سيما من قوله تعالى: { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبُه عليه، واللام في الصيد للعهد حسبما سلف، وحُرُم جمع حَرام، وهو المُحرم وإن كان في الحِل، وفي حكمه من في الحَرَم وإن كان حَلالاً، كرُدُح جمع رَادح، والجملة حال من فاعل لا تقتلوا، أي لا تقتلوه وأنتم محرمون { وَمَن قَتَلَهُ } أي الصيد المعهود، وذِكرُ القتل في الموضعين دون الذبح للإيذان بكونه في حكم الميتة { مّنكُمْ } متعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل قتله أي كائناً منكم.

{ مُّتَعَمّداً } حال منه أيضاً أي ذاكراً لإحرامه عالماً بحُرمة قتل ما يقتله، والتقيـيدُ بالتعمّد مع أن محظوراتِ الإحرام يستوي فيها العمْدُ والخطأ لِما أن الآية نزلتْ في المتعمِّد كما مرَّ من قصة أبـي اليَسَر، ولأن الأصل فعلُ المتعمّد والخطأ لاحقٌ به للتغليظ، وعن الزُهري: نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ. وعن سعيد بن جُبـير رضي الله عنه: لا أرى في الخطأ شيئاً أخذاً باشتراط التعمّد في الآية، وهو قول داودَ عن مجاهد والحسن: أن المراد بالتعمد هو تعمدُ القتل مع نسيان الإحرام، أما إذا قتله عمْداً وهو ذاكراً لإحرامه فلا حكم عليه، وأمره إلى الله عز وجل، لأنه أعظمُ من أن يكون له كفارة. { فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ } برفعهما، أي فعليه جزاءٌ مماثلٌ لما قتله، وقرىء برفع الأول ونصب الثاني على إعمال المصدر، وقرىء بجرِّ الثاني على إضافته إلى مفعوله، وقرىء (فجزاؤه مثلُ) ما قتل على الابتداء والخبرية، وقرىء بنصبهما على تقدير فليجْزِ جزاءً أو فعليه أن يُجزىٰ جزاءً مثلَ ما قتل، والمرادُ به عند أبـي حنيفة وأبـي يوسف رضي الله عنهما المثلُ باعتبار القيمة، يُقوَّم الصيد حيث صِيدَ أو في أقرب الأماكن إليه، فإن بلغَت قيمتُه قيمةَ هدْيٍ يُخير الجاني بـين أن يشتريَ بها قيمةَ الصيد فيُهدِيَه إلى الحرم، وبـين أن يشتريَ بها طعاماً فيُعطيَ كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره، وبـين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً، فإن فضل ما لا يبلغُ طعامَ مسكين تصدّق به أو صام عنه يوماً كاملاً، إذ لم يُعهد في الشرع صومُ ما دونه فيكون قوله تعالى: { مِنَ ٱلنَّعَمِ } بـياناً للهدْي المشترىٰ بالقيمة على أحد وجوه التخيـير، فإنَّ من فعل ذلك يصدُق عليه أنه جُزيَ بمثل ما قتل من النَّعم، وعن مالك والشافعي رحمهما الله تعالى ومن يرى رأيهما: هو المِثْلُ باعتبار الخِلْقة والهيئة لأن الله تعالى أوجب مثلَ المقتول مقيداً بالنَّعم، فمن اعتبَر المِثْل بالقيمة فقد خالف النص، وعن الصحابة رضي الله عنهم: أنهم أوجبوا في النَّعامة بدنةً، وفي الظبْـيِ شاةً، وفي حمار الوَحش بقرَةً، وفي الأرنب عَناقاً، وعن النبـي عليه الصلاة والسلام أنه قال:

السابقالتالي
2 3 4