الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } شروع في تفصيل قبائح النصارى وإبطالِ أقوالهم الفاسدة بعد تفصيل قبائح اليهود، وهؤلاء هم الذين قالوا: إن مريم وَلَدت إلٰهاً، قيل: هم الملكانية والمار يعقوبـية منهم، وقيل: هم اليعقوبـية خاصة، قالوا: ومعنى هذا أن الله تعالى حل في ذات عيسى واتحد بذاته، تعالى الله عن ذلك علواً كبـيراً.

{ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ } حال من فاعل قالوا بتقدير قد، مفيدةٌ لمزيد تقبـيحِ حالهم ببـيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارِهم عما أصروا عليه بما أوعدهم به، أي قالوا ذلك، وقد قال المسيح مخاطباً لهم: { يَابَنِى إِسْرٰءيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ } فإني عبدٌ مربوبٌ مثلُكم، فاعبدوا خالقي وخالقَكم { إٍِنَّهُ } أي الشأن { مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أي شيئاً في عبادته أو فيما يختص به من صفات الألوهية { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } فلن يدخلها أبداً، كما لا يصل المحرم عليه إلى المحرم، فإنها دار الموحدين، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتهويل الأمر وتربـية المهابة { وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } فإنها هي المعدّة للمشركين، وهذا بـيان لابتلائهم بالعقاب إثرَ بـيانِ حرمانِهم الثوابَ.

{ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } أي ما لهم من أحد ينصُرهم بإنقاذهم من النار، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة، والجمع لمراعاة المقابلة بالظالمين، واللام إما للعهد والجمع باعتبار معنى (مَنْ) كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أولياً، ووضعه على الأول موضع الضمير للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق، والجملة تذيـيل مقرر لما قبله، وهو إما من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإما واردٌ من جهته تعالى تأكيداً لمقالته عليه السلام، وتقريراً لمضمونها، وقد قيل: إنه من كلامه عز وجل على معنى أنهم ظلموا وعدلوا عن سبـيل الحق فيما تقوّلوا على عيسى عليه السلام، فلذلك لم يساعدْهم عليه ولم ينصُرْ قولهم، ورده وأنكره، وإن كانوا معظِّمين له بذلك، ورافعين من مقداره. أو من قول عيسى عليه السلام على معنى لا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبُعْده عن المعقول، وأنت خبـير بأن التعبـيرَ عما حُكي عنه عليه السلام ـ من مقابلته لقولهم الباطل بصريح الرد والإنكار، والوعيد بحرمان الجنة ودخول النار بمجرد عدم مساعدته على ذلك، ونفْي نُصْرته له، مع خُلوِّه عن الفائدة ـ تصويرٌ للقوي بصورة الضعيف وتهوين للخطب في مقام تهويله، بل ربما يوهم ذلك بحسب الظاهر ما لا يليق بشأنه عليه السلام من توهم المساعدةِ والنُصرة، لا سيما مع ملاحظة قوله: وإن كانوا معظمين له الخ، إلا أن يحمل الكلامُ على التهكم بهم، وكذا الحالُ على تقدير كونه من تمام كلامِه عليه السلام، فإن زجْرَه عليه السلام إياهم عن قولهم الفاسد ـ بما ذُكر من عدم الناصرِ والمساعدِ بعد زجره إياهم بما مر من الرد الأكيدِ والوعيدِ الشديد ـ بمعزِلٍ من الإفادة والتأثير، ولا سبـيل هٰهنا إلى الاعتذار بالتهكم.