الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَتَرَى } خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ ممن يصلُح للخطاب والرؤية بصرية { كَثِيراً مّنْهُمْ } من اليهود والمنافقين، وقولُه تعالى: { يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلإِثْمِ } حال من كثيراً، وقيل: مفعول ثانٍ والرؤيةُ قلبـية، والأول أنسبُ بحالهم وظهور نفاقهم، والمسارعة المبادرة والمباشرة للشيء بسرعة، وإيثار كلمة (في) على كلمة (إلى) الواقعة في قوله تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } الخ، لِما ذُكر في قوله تعالى: { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ } والمرادُ بالإثم الكذبُ على الإطلاق، وقيل: الحرام، وقيل: كلمةُ الشرك وقولُهم: عزيرٌ ابنُ الله، وقيل: هو ما يختصُّ بهم من الآثام { وَٱلْعُدْوَانِ } أي الظلم المتعدي إلى الغير أو مجاوزة الحد في المعاصي { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } أي الحرام، خصه بالذكر مع اندراجه في الإثم للمبالغة في التقبـيح { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لبئس شيئاً كانوا يعملونه، والجمعُ بـين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار.

{ لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } قال الحسن: الربانيون علماء الإنجيل، والأحبار علماء التوراة، وقيل: كلهم في اليهود وهو تحضيضٌ ـ للذين يقتديْ بهم أفناؤهم ويَعْلمون قَباحةَ ما هم فيه وسوءَ مغبَّته ـ على نهْيِ أسافلِهم عن ذلك مع توبـيخ لهم على تركه { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } مع علمهم بقبحهما ومشاهدتهم لمباشرتهم لهما { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } وهذا أبلغ مما قيل في حق عامتهم لما أن العمل لا يبلُغ درجة الصنع ما لم يتدرَّبْ فيه صاحبُه ولم يحصُلْ فيه مهارة تامة، ولذلك ذَمَّ به خواصَّهم، ولأن ترك الحسنة أقبحُ من مواقعة المعصية، لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها، ولا كذلك تركُ الإنكار عليها، فكان جديراً بأبلغِ ذم، وفيه مما يُنعىٰ على العلماء توانيهم في النهي عن المنكرات ما لا يخفى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها أشد آية في القرآن، وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوفُ عندي منها.

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } قال ابن عباس وعكرمة والضحاك: إن الله تعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالاً وأخصبَهم ناحيةً فلما عصَوا الله سبحانه بأن كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف عنهم ما بسَطَ عليهم، فعند ذلك قال فِنْحاصُ بنُ عازوراء: { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } وحيث لم ينكر عليه الآخرون ورضُوا به نُسبت تلك العظيمةُ إلى الكل كما يقال: بنو فلان قتلوا فلاناً، وإنما القاتل واحدٌ منهم وأرادوا بذلك ـ لعنهم الله ـ أنه قال: مُمسك يقتِّر بالرزق، فإن كلاًّ من غَلِّ اليد وبسْطِها مجازٌ عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يدٍ وغَلٍّ أو بسطٍ، ألا يُرى أنهم يستعملونه حيث لا يتصور فيه ذلك كما في قوله: [الكامل]

السابقالتالي
2 3