الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ فَمَن تَابَ } أي من السُرّاق إلى الله تعالى { مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } الذي هو سرِقتُه، والتصريحُ به مع أن التوبةَ لا تُتصوَّرُ قبلَه لبـيان عِظَم نعمتِه تعالى بتذكير عِظمِ جنايتِه { وَأَصْلَحَ } أي أمره بالتقصِّي عن تبعات ما باشرَه والعزمِ على ترك المعاودةِ إليها { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ } أي يقبل توبتَه فلا يعذّبه في الآخرة، وأما القطعُ فلا تُسقطُه التوبةُ عندنا، لأن فيه حقَّ المسروقِ منه، وتُسقطُه عند الشافعيِّ في أحد قوليه: { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } مبالِغٌ في المغفرة والرحمة ولذلك يَقبلُ توبتَه، وهو تعليلٌ لما قبلَه، وإظهارُ الاسمِ الجليل للإشعارِ بعِلَّة الحُكْم وتأيـيدِ استقلالِ الجملة وكذا في قوله عز وجل: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فإن عُنوانَ الألوهية مدارُ أحكامِ ملكوتِهما، والجارُّ والمجرورُ خبرٌ مقدّم، ومُلكُ السموات والأرض مبتدأ، والجملة خبرٌ لأنّ، وهي مع ما في حيِّزِها سادّةٌ مَسدَّ مفعوليْ (تعلم) عند الجمهور، وما فيه من تكريرِ الإسنادِ لتقويةِ الحُكْم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين. وقيل: لكل أحدٍ صالحٍ للخطاب، والاستفهامُ الإنكاريُّ لتقرير العلم، والمرادُ به الاستشهادُ بذلك على قدرته تعالى على ما سيأتي من التعذيب والمغفرةِ على أبلغ وجهٍ وأتمِّه، أي ألم تعلم أن الله له السلطانُ القاهر والاستيلاء الباهرُ المستلزِمانِ للقدرة التامة على التصرُّفِ الكليِّ فيهما وفيما فيهما إيجاداً وإعداماً وإحياءً وإماتةً إلى غير ذلك حسْبما تقتضيه مشيئتُه { يُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذِّبه { وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفرَ له من غير نِدٍّ يساهمُه ولا ضدَ يزاحمُه، وتقديمُ التعذيبِ على المغفرة لمراعاةِ ما بـين سببـيهما من الترتيب، والجملة إما تقريرٌ لكون ملكوتِ السموات والأرضِ له سبحانه، أو خبرٌ آخرُ لأن. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيقدِرُ على ما ذَكَر من التعذيب والمغفرة، والإظهارُ في موقع الإضمارِ لما مرَّ مراراً والجملة تذيـيلٌ مقرِّرٌ لما قبلها.