الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } جملةٌ مستأنفةٌ مسوقةٌ لبـيان ما فعلت بنو إسرائيلَ بعد أخذِ الميثاق منهم، وتفصيلِ كيفيةِ نقضِهم له وتعلّقِه بما قبله، من حيث إن ما ذُكر فيه من الأمور التي وصفَ النبـيَّ عليه السلام بـيانُها، ومن حيث اشتمالُه على انتفاء فترة الرسل فيما بـينهم، و(إذ) نُصب على أنه مفعولٌ لفعل مقدرٍ خوطب به النبـيُّ عليه الصلاة والسلام بطريق تلوينِ الخطاب، وصَرْفُه عن أهل الكتاب ليعدِّدَ عليهم ما صدر عن بعضهم من الجنايات. أي واذكُر لهم وقت قولِ موسى لقومه ناصحاً لهم ومستميلاً لهم بإضافتهم إليه { يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } وتوجيهُ الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات للمبالغة في إيجابِ ذكرِها، لما أن إيجابَ ذكرِ الوقت إيجابٌ لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني، ولأن الوقت مشتملٌ على ما وقع فيه تفصيلاً، فإذا استُحضِر كان ما وقع فيه حاضِراً بتفاصيله، كأنه مشاهَدٌ عِياناً، و(عليكم) متعلق بنفس النعمة إذا جُعلت مصدراً، وبمحذوف وقع حالاً منها إذا جُعلت اسماً، أي اذكروا إنعامه عليكم، وكذا (إذ) في قوله تعالى: { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء } أي اذكروا إنعامه تعالى عليكم في وقت جَعْله أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم في وقت جعْلِه فيما بـينكم من أقربائكم أنبـياءَ ذوِي عددٍ كثير وأُولي شأنٍ خطير، حيث لم يَبْعثْ من أمة من الأمم ما بَعَث من بني إسرائيلَ من الأنبـياء { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } عطفٌ على (جعل) فيكم أو منكم ملوكاً كثيرة، فإنه قد تكاثر فيهم الملوكُ تكاثرَ الأنبـياء، وإنما حذف الظرف تعويلاً على ظهور الأمر أو جَعْل الكلِّ في مقام الامتنان عليهم ملوكاً، لما أن أقاربَ الملوك يقولون عند المفاخرة: نحن الملوك، وإنما لم يسلُكْ ذلك المسلكَ فيما قبله لما أن منصِبَ النبوةِ مِنْ عِظَم الخطر وعِزَّة المطلب وصعوبة المنال بحيث ليس يليقُ أن يُنْسبَ إليه ـ ولو مجازاً ـ مَنْ ليس ممن اصطفاه الله تعالى له. وقيل: كانوا مملوكين في أيدي القِبْط فأنقذهم الله تعالى فسمَّى إنقاذهم مُلْكاً، وقيل: المَلِكُ مَنْ له مسكنٌ واسع فيه ماء جار، وقيل: من له بـيت وخدم، وقيل: من له مال لا يَحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمّل المشاق { وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } من فلْق البحر وإغراقِ العدو وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك مما آتاهم الله تعالى من الأمور العِظام، والمرادُ بالعالمين الأممُ الخالية إلى زمانهم، وقيل: مِنْ عالَمِي زمانِهم.